الجمعة، 17 أبريل 2009

اذكرنى يارب مــــتى جئت فى ملكوتك


هناك 33 تعليقًا:

سامح العروسي يقول...

كل عام وأنتم بألف خير أخي الكريم
تحياتي
سامح العروسي

سمراء يقول...

لقد مات من اجل جرم فعلناه فعلا
اما هو فلم يصنع شرا يستحق عنه الموت

المسيح الاهي انا ايضا
كل سنة وانت طيب

سمراء

فرعون يقول...

سامح ............................. كل سنة وانت طيب يا اخ سامح واشكرك على زوقك وربنا يباركك

فرعون يقول...

سمراء......................................... كل سنة وانتى طيبة والرب يباركك ويعطيكى النجاح .. والمسيح يكون معنا جميعا

المتمرده يقول...

كل سنه وانت طيب

غير معرف يقول...

الخلاص الحق لا علاقة له بالصلب
و الدليل موجود في :
1- إنجيل متى
19: 16 و إذا واحد تقدم و قال له أيها المعلم الصالح أي صلاح أعمل لتكون لي الحياة الأبدية
19: 17 فقال له لماذا تدعوني صالحا ليس أحد صالحا إلا واحد و هو الله و لكن إن أردت أن تدخل الحياة فاحفظ الوصايا
19: 18 قال له أية الوصايا فقال يسوع لا تقتل لا تزن لا تسرق لا تشهد بالزور
19: 19 أكرم أباك و أمك و أحب قريبك كنفسك
19: 20 قال له الشاب هذه كلها حفظتها منذ حداثتي فماذا يعوزني بعد
19: 21 قال له يسوع إن أردت أن تكون كاملا فاذهب و بع أملاكك و أعط الفقراء فيكون لك كنز في السماء و تعال اتبعني.
25: 34 ثم يقول الملك للذين عن يمينه تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم
25: 35 لأني جعت فأطعمتموني عطشت فسقيتموني كنت غريبا فآويتموني
25: 36 عريانا فكسيتموني مريضا فزرتموني محبوسا فآتيتم إلي
25: 37 فيجيبه الأبرار حينئذ قائلين يا رب متى رأيناك جائعا فأطعمناك أو عطشانا فسقيناك
25: 38 و متى رأيناك غريبا فآويناك أو عريانا فكسوناك
25: 39 و متى رأيناك مريضا أو محبوسا فأتينا إليك
25: 40 فيجيب الملك و يقول لهم الحق أقول لكم بما أنكم فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر فبي فعلتم
25: 41 ثم يقول أيضا للذين عن اليسار اذهبوا عني يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدة لإبليس و ملائكته
25: 42 لأني جعت فلم تطعموني عطشت فلم تسقوني
25: 43 كنت غريبا فلم تأووني عريانا فلم تكسوني مريضا و محبوسا فلم تزوروني
25: 44 حينئذ يجيبونه هم أيضا قائلين يا رب متى رأيناك جائعا أو عطشانا أو غريبا أو عريانا أو مريضا أو محبوسا و لم نخدمك
25: 45 فيجيبهم قائلا الحق أقول لكم بما أنكم لم تفعلوه بأحد هؤلاء الأصاغر فبي لم تفعلوا
25: 46 فيمضي هؤلاء إلى عذاب ابدي و الأبرار إلى حياة أبدية

غير معرف يقول...

فما فائدة الصلب والفداء في الحياة الأبدية والعذاب الأبدي؟؟؟؟؟؟؟؟
فإن الخلاص الحق لا علاقة له بالصلب وسفك الدماء , فتلك نظرية أقحمها بولس في مسيحية المسيح الحقة
18- لماذا لا يسجد النصارى في صلاتهم ، كما كان يصلي المسيح ؟
متى 26عدد 39
ثُمَّ تَقَدَّمَ قَلِيلاً وَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ وَكَانَ يُصَلِّي.
متى 4عدد 9-10 ولوقا 4عدد 7-8
وفى متى أيضاً أن يسوع قال لإبليس:عندما طلب منه إبليس أن يسجد له وَقَالَ لَه:
أُعْطِيكَ هَذِهِ جَمِيعَهَا إِنْ خَرَرْتَ وَسَجَدْتَ لِي. حِينَئِذٍ قَالَ لَهُ يَسُوعُ: اذْهَبْ يَا شَيْطَانُ! لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: لِلرَّبِّ إِلَهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ.
مرقس 14عدد 35
وجاء عند مرقس : ثُمَّ تَقَدَّمَ قَلِيلاً وَخَرَّ عَلَى الأَرْضِ وَكَانَ يُصَلِّي لِكَيْ تَعْبُرَ عَنْهُ السَّاعَةُ إِنْ أَمْكَنَ.
رؤيا يوحنا 15: 4
مَنْ لاَ يَخَافُكَ يَا رَبُّ وَيُمَجِّدُ اسْمَكَ، لأَنَّكَ وَحْدَكَ قُدُّوسٌ، لأَنَّ جَمِيعَ الأُمَمِ سَيَأْتُونَ وَيَسْجُدُونَ أَمَامَكَ، لأَنَّ أَحْكَامَكَ قَدْ أُظْهِرَت.
فلماذا لا يسجد النصارى لله تعالى في صلاتهم كما كان يسجد المسيح عليه السلام في صلاته؟؟

غير معرف يقول...

19-الخمر في النصرانية
ما جاء في العهد القديم
جاء في سفر الأمثال( 20-1 )
الخمر مستهزئة ، المسكر عجاج ، ومن يترنح بهما فليس بحكيم .
جاء في سفر الأمثال( 33: 29-35 )
لمن الويل ، لمن الشقاوة ، لمن المخاصمات ، لمن الكرب ، لمن الجروح بلا سبب ، لمن ازمهرار العينَيْن ، للذين يدمنون الخمر ، الذين يدخلون في طلب الشراب المموج . لا تنظر إلى الخمر - إذا احمرت حين تظهر حبابها في الكأس وساغت مرقرقة . في الآخر تلسع كالحية ، وتلدغ كالأفعوان . عيناك تنظران الأجنبيات ، وقلبك ينطق بأمور ملتوية ، وتكون كمضطجع في قلب البحر ، أو كمضطجع إلى رأس سارية . يقول : ضربوني ولم أتوجع ، لقد لكأوني ولم أعرف . متى أستيقظ أعود أطلبها بعد .
وجاء في سفر أشعياء( 5: 22 )
ويل للأبطال على شرب الخمر ولذوي القدرة على مزج السكر .
وجاء في سفر يوشع ( 4: 11 )
الزنى والخمر والسلافة تخلب القلب .
وجاء في سفر العدد ( 6: 1-4 )
وكلَّم الرب موسى قائًلا : كلِّم بني إسرائيل وقل لهم : إذا انفرز رجل أو امرأة لينذر نذر النذير لينتذر للرب فعن الخمر والميسر يفترز ولا يشرب خل الخمر ولا خل المسكر ولا يشرب من نقيع العنب ولا يأكل عنبًا رطبًا ولا يابسًا . كل أيام نذره لا يأكل من كل ما يعمل من جفنة الخمر من العجم حتى القشر .
وبذلك لم يكن يسمح للنذير بأن يشرب الخمر مدة نذره .
وجاء في سفر اللاويين (10: 8-10)
وكلم الرب هارون قائًلا خمرًا ومسكرًا لا تشرب أنت وبنوك معك عند دخولكم إلى خيمة الاجتماع لكي لا تموتوا فرضًا دهريا في أجيالكم ، وللتمييز بين المقدس والمحلل وبين النجس والطاهر .
وبذلك لم يكن يسمح للكاهن بأن يشرب منه عند دخوله لخدمة المقدس .
وجاء في سفر الأمثال( 21: 17)
محب الخمر والدهن لا يستغني .
وبذلك أعلن الكتاب المقدس أن الفقر في شرب الخمر .
وجاء في سفر الأمثال( 23: 20-21)
لا تكن بين شريبي الخمر ، بين المتلفين أجسادهم ؛ لأن السكير والمسرف يفتقران .
وبذلك نهى الكتاب المقدس عن مجالسة من يشربون الخمر .
وجاء في سفر صموئيل الأول (1:13-16)
فإن حنة كانت تتكلم في قلبها وشفتاها فقط تتحركان وصوتها لم يسمع . إن عالي ظنها سكرى . فقال لها عالي : حتى متى تسكرين ؟ انزعي خمرك عنك . فأجابت حنة وقالت : لا يا سيدي إني امرأة حزينة الروح ولم أشرب خمرً ا ولا مسكرًا بل أسكب نفسي أمام الرب لا تحسب أمتك ابنة بليعال ؛ لأني من كثرة كربتي وغيظي قد تكلمت إلى الآن .
وبذلك قد نهى الكتاب المقدس عن السكر بالخمر وبيَّن أن السكر خطيئة .
وجاء في سفر أشعياء( 5: 1-11 )
ويل للمبكرين صباحًا يتبعون السكر ، للمتأخرين في العتمة تلهيهم الخمر وصار العود والرباب والدف والناي والخمر ولائهم وإلى فعل الرب لا ينظرون ، وعمل يديه لا يرون ، لذلك سبي شعبي لعدم المعرفة ، وتصير شرفاؤه رجال جوع ، وعامته يابسين من العطش ، لذلك وسعت الهاوية نفسها وفغرت فاها بلا حد فيترل بهااؤها وجمهورها وضجيجها والمبتهج فيها ، ويذل الإنسان ويحط الرجل وعيون المستعلين توضع .
وبذلك يكون الكتاب المقدس قد هدد وندد بشارب الخمر.
ما جاء في العهد الجديد :
ففي رسالة بولس الأول إلى أهل كورنثوس (5:11) يقول :
وأما الآن فكتبت إليكم إن كان أحد مدعو أخًا زانيًا أو طماعًا أو عابد وثن أو شتامًا أو سكيرًا أو خاطًفا أن لا تخالطوا ولا تؤاكلوا مثل هذا .
وفي رسالة كورنثوس الأولى –أيضًا (الإصحاح 6 العدد 9 و 10)
لا تضلوا ، لا زناة ، ولا عبدة أوثان ، ولا مأبونون ولا مضاجعو ذكور ولا سارقون ولا طماعون ولا سكيرون ولا شتامون ولا خاطفون يرثون ملكوت الله.
وفي رسالة بولس إلى أهل غلاطية (الإصحاح الخامس ، العدد ١٩ وما بعده ) :
وأعمال الجسد ظاهرة التي هي : زنى عهارة نجاسة دعارة عبادة الأوثان سحر عداوة خصام غيرة سخط تحزب شقاق بدعة حسد قتل سكر بطر وأمثال هذه التي أسبق فأقول لكم عنها كما سبقت فقلت أيضًا إن الذين يفعلون مثل هذه لا يرثون ملكوت الله.
وفي رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس (الإصحاح) 18:5
ولا تسكروا بالخمر الذي فيه الخلاعة بل امتلئوا بالروح .
وفي رسالة بطرس الأول (الإصحاح ٤ ، العدد ٣)
لأن زمان الحياة الذي مضى يكفينا لنكون قد عملنا إرادة الأمم سالكين في الدعارة والشهوات وإدمان الخمر والبطر والمنادمات وعبادة الأوثان المحرمة .
ولكن حينما نقرأ الإصحاح الثاني من إنجيل يوحنا) العدد ١ وما بعده (

غير معرف يقول...

إن هذا الإنجيل يقدم لنا باكورة معجزات المسيح ، فإذا ﺑﻬا تحويل الماء إلى خمر !! يقول الإنجيل :
وفي اليوم الثالث كان عرس في قانا الجليل وكانت أم يسوع هناك . ودعي أيضًا يسوع وتلاميذه إلى العرس ولما فرغت الخمر قالت أم يسوع له : ليس لهم خمر . قال لها يسوع ما لي ولك يا امرأة ، لم تأت ساعتي بعد . قالت أمه للخدام : مهما قال لكم فافعلوه . وكانت ستة أجران من حجارة موضوعة هناك حسب تطهير اليهود يسع كل واحد مطرين أو ثلاثة قال لهم يسوع : املأوا الأجران ماء فملأوها إلى فوق ، ثم قال لهم : استقوا الآن وقدموا إلى رئيس المتكأ . فقدموا . فلما ذاق رئيس المتكأ الماء المتحول خمرًا ولم يكن يعلم من أين هي . لكن الخدام كانوا قد استقوا الماء علموا ، دعا رئيس المتكأ العريس وقال له : كل إنسان إنما يضع الخمر الجيدة أوًلا ، ومتى سكروا فحينئذ الدون . أما أنت فقد أبقيت الخمر الجيدة إلى الآن . هذه بداية الآيات فعلها يسوع في قانا الجليل وأظهر مجده فآمن به تلاميذه.
بل إن إنجيل يوحنا يفاجئنا ، ويا هول ما يفاجئنا به ,يفاجئنا بالمسيح في حالة سكر شديد وقد تعرى من ملابسه ولنترك للإنجيل يحدثنا حديثه) يوحنا 4:13-5):
قام عن العشاء ، وخلع ثيابه ، وأخذ منشفة واتزر بها . ثم صب الماء في مغسل وابتدأ يغسل أرجل التلاميذ ويمسحها بالمنشفة التي كان يتزر بها.
ويقول أحد المعلقين المسيحيين (فندر - صاحب كتاب ميزان الحق ) :
هذا يوهم أن عيسى عليه السلام كان قد سرت فيه الخمرة حتى لم يكن يدري ما يفعل ، فإن غسل الأقدام لا يوجب التجرد من الثياب .
ويقول إنجيل لوقا( 23:7-24 )
لأنه جاء يوحنا المعمدان لا يأكل خبزًا ولا يشرب خمرًا فتقولون به شيطان جاء ابن الإنسان يأكل ويشرب فتقولون هو ذا إنسان أكول وشريب خمر.
ويقول النص الثاني ، وهو متمم لهذا النص ومكمل له :
ويقول إنجيل لوقا( 36:7-39 )
وسأله واحد من الفريسيين أن يأكل معه فدخل بيت الفريسي واتكأ وإذا امرأة في المدينة كانت خاطئة إذ علمت أنه متكئ في بيت الفريسي جاءت بقارورة طيب ووقفت عند قدميه من ورائه باكية وابتدأت تبل قدميه بالدموع وكانت تمسحهما بشعر رأسها وتقبل قدميه وتدهنهما بالطيب ، فلما رأى الفريسي الذي دعاه ذلك تكلم قي نفسه قائًلا : لو كان هذا نبياً لعلم من هذه ألامرأة التي تلمسه وما هي أنها خاطئة .
ثم يستمر النص فيقول : إنجيل لوقا( 44:7-47 )
ثم التفت إلى المرأة وقال لسمعان : أتنظر هذه المرأة ؟ إني دخلت بيتك وماء لأجل رجلي لم تعط . وأما هي فقد غسلت رجلي بالدموع ومسحتها بشعر رأسها . قبلة لم تقبلني وأما هي فمنذ دخلت لم تكف عن تقبيل رجلي من أجل ذلك ، أقول لك قد غفرت خطاياها الكثيرة لأنها أحبت كثيرًا .
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

غير معرف يقول...

((((((((((((((((((((((((((((((((نفي ألوهية المسـيح في رسائل القديسين بولـس و يوحـنا))))))))))))))


أـ نفي ألوهية المسـيح في رسائل بولـس

يرى كثير من المحققين الغربيين، الذين كتبوا عن المسيحية و عقائدها، في القرنين الأخيرين، و مثلهم كذلك عدد من الكتاب المسلمين، أن بولس ـ القديس الأكبر للنصرانية و صاحب ال 14 رسالة الملحقة بالأناجيل في كتاب العهد الجديد ـ هو واضع فكرة إلـهية المسيح و مبتدع عقيدة التجسد، و كنت أيضا من جملة من يعتقد أن بولس هو الذي أدخل هذه البدعة إلى النصرانية.

إلى أن قيَّض الله تعالى لي اقتناء و مطالعة الترجمة العربية الحديثة للكتاب المقدس، حسب الرواية الكاثوليكية، التي نشرتها الرهبانية اليسوعية في بيروت عام 1989، و المحلاة بالمقدمات لكل ســفر و الحواشي الممتازة المتـضــمنة لشــروح و تعليقات و إحالات مفيدة للغاية إذ تساعد على إدراك معنى كثير من العبارات المتشابهة الغامضة بالرجوع إلى ما يماثلها في المواضع الأخرى من الكتاب المقدس، فتبين لي لدى دراسة رسائل بولس و الاستضاءة بتلك الحواشي، و مراجعة الترجمة الفرنسية العصرية المراجَعة المحققة للكتاب المقدس، وترجمته الإنجليزية العصرية المراجَعة المحققة أيضا، سيما للمواضع المتشابهة و الحساسة في النص العربي، تبين أن عبارات بولس التي يظن عادة أنها نص منه على تأليه المسيح، لا تخرج عن أحد ثلاثة أمور:

1 ـ إما هي ترجمة احتمالية مرجوحة للنص اليوناني الأصلي، الذي يمكن ـ كما تشير الحواشي و الترجمات المختلفة ـ أن يترجم بصورة أخرى، تبعا للتغُّير المحتمل للموضع، المشكوك به، للفاصلة أو النقطة في النص الأصلي، مما يجعل العبارة تتغير تغيرا تاما من نص على إلهية المسيح إلى كلام عن إلهية الله تعالى الآب!.

2 ـ أو هي عبارات مجازية، من الخطأ فهمها على معناها الحرفي الظاهر، و ذلك بدلالة سياق الكلام، و بدلالة القرائن الأخرى، كملاحظة موارد استعمال بولس لنفس هذه الألفاظ في المواضع الأخرى من رسائله، مما يبين أن المراد الحقيقي لبولس من هذه الألفاظ هو معنى مجازي استعاري و ليس المعنى الحرفي.

3

غير معرف يقول...

ـ أو هي عبارة تتضمن وصف المسيح بلفظة مشتركة، مثل لفظة: " الربّ "، التي أحد معانيها هو الله، لكن لها معنى آخر هو: السيد، مع وجود قرائن تؤكد أن بولس يريد منها هذا المعنى الثاني غير التأليهي.

و بالتالي اتضح لي لدى التحقيق أنه لا توجد في رسائل بولس أي عبارة أو نص صريح قاطع في تأليه للمسيح، بمعنى اعتباره الله تعالى نفسه الذي تجسد و نزل لعالم الدنيا، بل على العكس، نجد في رسائل بولس، نصوص واضحة و محكمة لا تحتمل أي تأويل، تؤكد أن عقيدة الرجل كانت توحيدية محضة، حيث يؤكد على تفرّد الله تعالى (الآب) بالإلـهية و الربوبية و الخالقية و استحقاق العبادة، و أنه وحده الإلـه الخالق الحكيم القدير بذاته، الذي لم يُرَ و لا يُرَى، الذي أبدع المخلوقات لوحده و أوجد جميع الكائنات بمن فيهم المسيح نفسه، الذي يعتبره بولس بكر كل خليقة، أي أول مخلوقات الله عز و جل، و يصرح بولس بأن الله تعالى إله المسيح و سيده.

نعم يعتقد بولس أن الله تعالى، خلق بالمسيح و فيه سائر الكائنات، أي ينظر للمسيح بمنظار اللوجوس في الفلسفة الأفلوطينية الحديثة التي ترى ـ حسب نظرية الفيض ـ أن اللوجوس (العقل الكلي) هو أول ما فاض عن المبدأ الأول (الله ) و به و فيه وجدت سائر الكائنات، فبولس يرى أن المسيح هو ذلك الكائن الروحي الوسيط الذي فاض عن الله و به و فيه خلق الله سائر الكائنات، و اتخذه الله ابنا حبيبا و جعله الواسطة بينه و بين خلقه، ثم صيره في آخر الزمن، في الميعاد المقرر أزلا، إنسانا بشرا، و أرسله لخلاص بني الإنسان، بعمله التكفيري العظيم، الذي تجلى ـ حسب قول بولس ـ بآلامه و سفك دمه و موته على الصليب، تكفيرا لخطايا البشر و فداء لهم بنفسه، فكرمه الله تعالى لأجل ذلك، و مجَّده و رفع قدره فوق كل الكائنات و أجلسه عن يمينه فوق عرشه (يتفق النصارى هنا على تنزيه الله تعالى عن حدود المكان و الزمان و يفهمون هذه العبارات على نحو غير تجسيمي ) و جعله شفيعا للمؤمنين و قاضيا و حاكما بينهم يوم الدين، ثم ليخضع في النهاية لأبيه الروحي و خالقه و إلهه: الله تعالى الذي هو ـ حسب تعبير بولس ـ الكل في الكل.

تلك هي خلاصة عقيدة بولس في المسيح، كما تترشح من رسائله و تعاليمه، و هي عقيدة، و إن كانت لا تخلو من غلو و خلط بين الدين و الفلسفة اليونانية [1] ، و مبالغة بحق المسيح لا دليل عليها في الإنجيل، إلا أنها مع ذلك حفظت الحد الفاصل بين الله تعالى (الآب) في وحدانيته و تفرده بالقدم و الإلـهية، و بين المسيح المخلوق و الخاضع لأبيه و إلهه الله تعالى ـ على حد تعبير بولس ـ، فلم تشرك المسيح مع الله في الذات و استحقاق العبادة و لا ساوت بينه و بين الله تعالى في الإلهية ـ كما فعل ذلك للأسف دستور الإيمان النصراني الذي قرره مجمع نيقية ـ بل أبقته في دائرة الكائن المخلوق و العبد الخاضع لسلطان الله تعالى العابد له و المتبع لأمره، و بالتالي حافظت على وحدانية ذات الله تعالى.

غير معرف يقول...

و فيما يلي سنبين الشواهد على ما نقول، ثم نعقب ذلك بالرد على شبهاتهم من بعض أقوال بولس المشتبهة التي تحتاج لتوضيح.

هذا و سنعتمد في الغالب على الترجمة العربية الحديثة الكاثوليكية للرهبانية اليسوعية في بيروت للعهد الجديد.

______________________


القسم الأول: أقاويل بولـــس الصريحة في نفي إلـــهية المســيح و إفراد الله تعالى وحده بالألوهية

أولاً : أقوال بولـس في توحيد الذات الإلــهية و إفراد الله تعالى بالإلـهية و الربوبية و الخالقية و القدرة المستقلة:

1 ـ يقول بولس في رسالته الأولى إلى أهل قورنتس (و في الطبعات البروتستانتية تسمى كورنثوس ) (8 / 4 ـ 6 ):

" و أما الأكل من لحم ما ذبح للأوثان فنحن نعلم أن لا وثن في العالم، و أن لا إلـه إلا الله الأحد [2]. و قد يكون في السماء أو في الأرض ما يزعم أنه آلهة، بل هناك كثير من الآلهة و كثير من الأرباب، و أما عندنا نحن فـليس إلا إلـه واحد و هو الآب، منه كل شيء و إليه نحن أيضا نصير. و رب واحد و هو يسوع، به كل شيء و به نحن أيضا "

قلت: فهذا النص صريح في انحصار الإلـهية بالله الآب وحده (لا إله إلا الله الأحد ) (و أما عندنا فليس إلا إله واحد: وهو الآب، منه كل شيء)، و أما وصف المسيح بالرب فلا يراد به الإلـهية و إلا لانتفى الحصر لها بالآب الذي كرره في كلامه هنا مرتين، بل المراد ـ كما سنوضحه فيما بعد ـ السيد المعلم.

2 ـ و يقول بولس في رسالته إلى أهل أفسس (4 / 5 ـ 6 ):

" و هناك رب واحد و إيمان واحد و معمودية واحدة، و إلــهٌ واحدٌ أبٌ لجميع الخلق و فوقهم جميعا يعمل بهم جميعا و هو فيهم جميعا "

قلت: فهنا أيضا أكد أن الآب هو وحده الإلــه لجميع الكائنات.

3ـ و يقول بولس في رسالته الأولى إلى طيموتاوس (2 / 5 ):

" لأن الله واحد، و الوسيط بين الله و الناس واحد و هو إنسان أي المسيح يسوع "

قلت: و هذه الجملة غاية في الصراحة و الوضوح في إفراد الله تعالى بالألوهية و نفيها عن المسيح إذ هي تؤكد أولا أن الله واحد، و أن المسيح شيء آخر، حيث هو الواسطة بين الله و الناس، و بديهي أن الواسطة غير الموسوط، علاوة على تأكيده أن المسيح، ككلٍّ، إنسانٌ، و بهذا يتم الفصل بين الله و المسيح بكل وضوح، و تخصص الألوهية لله تعالى وحده فقط، فأنى يؤفكون !!

4 ـ ثم يقول بولس في نفس الرسالة، بعد جملته تلك (6 / 13 ـ 16 ):

" و أوصيك في حضرة الله الذي يحيي كل شيء و في حضرة يسوع المسيح الذي شهد شهادة حسنة في عهد بنطيوس بيلاطس، أن تحفظ هذه الوصية و أنت بريء من العيب و اللوم إلى أن يظهر ربنا يسوع المسيح فسَــيُظْـهِرُه في الأوقات المحددة له:

المبارك العزيز الوحيد ملك الملوك و رب الأرباب، الذي وحده له عدم الموت، ساكنا في نور لا يدنى منه، الذي لم يره أحد من الناس و لا يقدر أن يراه، الذي له الكرامة و القدرة الأبدية، آمين." (حسب الترجمة البروتستانتية )

ذلك السعيد القدير وحده ملك الملوك و رب الأرباب الذي له وحده الخلود و مسكنه نور لا يقترب منه وهو الذي لم يره إنسان و لا يستطيع أن يراه، له الإكرام و العزة الأبدية. آمين."(حسب الترجمة الكاثوليكية للرهبانية اليسوعية )

قلت: و هذا النص أيضا صريحٌ واضحٌ في توحيد الله و اعتباره وحده ملك الملوك و رب الأرباب، كما هو صريح في المغايرة و التمايز بين الله تعالى في مجده و علاه، الذي وحده لا يموت و لا يُرى، و بين المسيح، الذي سيظهره الله.

غير معرف يقول...

5 ـ و فيما يلي نص خطبة خطبها بولس في أعيان مدينة أثينا، كما جاءت في أعمال الرسل (17 / 22 ـ 32 ):

" يا أهل أثينة، أراكم شديدي التديّن من كل وجه، فإني و أنا سائر أنظر إلى أنصابكم وجدت هيكلا كتب عليه: إلى الإلـه المجهول!. فَما تعبدونه أنتم و تجهلونه، فذاك ما أبشركم به. إن الله الذي صنع العالم و ما فيه، و هو رب السماء و الأرض، لا يسكن في هياكل صنعتها الأيدي، و لا تخدمه أيدي بشرية، كما لو كان يحتاج إلى شيء. فهو الذي يهب لجميع الخلق الحياة و النفس و كل شيء. فقد صنع جميع الأمم البشرية من أصل واحد، ليسكنوا على وجه الأرض كلها، و جعل لسكناهم أزمنة موقوتة و أمكنة محدودة، ليبحثوا عن الله لعلهم يتحسسونه و يهتدون إليه، مع أنه غير بعيد عن كلٍّ منا. ففيه حياتنا و حركتنا و كياننا، كما قال شعراء منكم: فنحن أيضا من سلالته. فيجب علينا، و نحن من سلالة الله، ألا نحسَبَ اللاهوت يشبه الذهب أو الفضة أو الحجر، إذ مَـثَّـلَه الإنسان بصناعته و خياله. فقد أغضى الله طرفه عن أيام الجهل و هو يعلن الآن للناس أن يتوبوا جميعا و في كل مكان، لأنه حدد يوما يدين فيه العالم دينونة عدل عن يد رجل أقامه لذلك، و قد جعل للناس أجمعين برهانا على الأمر، إذ أقامه من بين الأموات "

قلت: فقد تكلم كلاما جميلا عن الله تعالى و لم يأت بذكر على أن المسيح كان هو ذاك الله الذي تكلم عنه، بل علىالعكس قال أن الله أقام رجلا (أي إنسانا) ليدين العالم عن طريقه و أماته ثم بعثه ليجعله عَلَمَاً و دليلا على يوم القيامة، و هكذا نلاحظ التمايز و الفصل التام بين الله في وحدانيته و المسيح.



ثانياً: أقوال بولس الواضحة في توحيد الأفعال [3] و في توحيد العبودية أي صرف كل مظاهر العبادة مثل الصلاة و الدعاء و الشكر و الحمد والثناء و الاستغاثة و الالتجاء لله الآب وحده دون غيره :

1ـ يقول بولس في رسالته إلى أهل فيليبي (4 / 6 ـ 7 ):

" لا تكونوا في هم من أي شيء كان. بل في كل شيء لترفع طلباتكم إلى الله بالصلاة و الدعاء مع الشكر. فإن سلام الله الذي يفوق كل إدراك يحف قلوبكم و أذهانكم في المسيح يسوع "

قلت: فطلب الحوائج و الصلاة و الدعاء و الشكر يجب رفعها لله تعالى، لكي ينزل الله سكينته على المؤمنين بواسطة المسيح و لكي يثبت قلوبهم ـ في المصاعب ـ على الإيمان و الثقة بالمسيح و محبته.

2 ـ و يقول في رسالته إلى أهل أفسس (3 / 14 ـ 20 ) :

" لهذا أجثو على ركبتي للآب، فمنه تستمد كل أسرة اسمها في السماء و الأرض، و أسأله أن يهب لكم، على مقدار سِـعَة مجده، أن تشتدوا بروحه ليقوى فيكم الإنسان الباطن [4] و أن يقيم المسيح في قلوبكم الإيمان، حتى إذا تأصلتم في المحبة و أسسـتم عليه، أمكنكم أن تدركوا مع جميع القديسين ما هو العرض و الطول و العلو و العمق و تعرفوا محبة المسيح التي تفوق كل معرفة فتمتلئوا بكل ما لله من كمال. ذاك الذي يستطيع بقوته العاملة فينا أن يبلغ ما يفوق كثيرا كل ما نسأله و نتصوره، له المجد في الكنيسة و في المسيح يسوع على مدى الأجيال و الدهور آمين ".

غير معرف يقول...

قلت : فبولس يؤكد أن الصلاة (الجثو على الركبتين )، إنما هي للآب فقط، لأنه منه وحده يستمد كل شيء اسمه و وجوده كما أنه بيده تعالى قلوب العباد و منه تعالى الثبات و التوفيق و الهداية التي ينزلها على من يشاء بواسطة الملائكة و المسيح، فالمسيح هو مَجرَى الفيض و واسطة المدد فحسب، لذا فالتسبيح و المجد لله تعالى المعطي و المفيض، و يا ليت النصارى يأخذون بهذا و يكفون عن عبادة المسيح، و الجثو للصلبان و التماثيل !

3 ـ و يقول في رسالته الثانية إلى أهل قورنتس (1/ 3 ـ 4 و 9 ـ 10 ):

" تبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح، أبو الرأفة و إلـه كل عزاء، فهو الذي يعزينا في جميع شدائدنا لنستطيع، بما نتلقى نحن من عزاء من الله أن نعزي الذين هم في أية شدة كانت... لئلا نتكل على أنفسنا بل على الله الذي يقيم الأموات، فهو الذي أنقذنا من أمثال هذا الموت و سـيُـنـقِـذُنا منه: و عليه جَعَـلْـنَا رجاءَنا بأنه سينقذنا منه أيضا. "

ثم يقول في نفس الرسالة أيضا :

".... و إن الذي يثبتنا و إياكم للمسيح، و الذي مسحنا، هو اللــه، و هو الذي ختمنا بختمه و جعل في قلوبنا عربون الروح...

الشكر لله الذي يستصـحبنا دائما أبدا في نصرِهِ بالمسيح و ينشر بأيدينا في كل مكان شذى معرفته... "

4 ـ و يقول في رسالته الأولى لأهل قورنتس (1/ 4 ـ 8 ـ 9. و 15 / 57 ): " إني أشكر الله دائما في أمركم على ما أوتيتم من نعمة الله في المسيح يسوع... و هو الذي يثبتكم إلى النهاية حتى تكونوا بلا عيب يوم ربنا يسوع المسيح. هو الله أمين دعاكم إلى مشاركة ابنه يسوع المسيح ربنا (ثم يقول ):... فالشكر لله الذي آتانا النصر عن يد ربنا يسوع المسيح ".

قلت: في كل هذه العبارات ـ و مثلها الكثير في رسائل بولس ـ نلاحظ التأكيد على أن الله تعالى مولى النعم و مصدر الرحمة و الفيض و موضع الرجاء و الثقة، و هو هادي النفوس و مزكيها و مولى المؤمنين و ناصرهم، أما دور المسيح في ذلك، فهو الوسـيلة و الواسطة التي اختارها الله لينزل رحمته بواسطتها و يفيض تخليصه و هدايته و عزاءه و نصره عبرها، فالرحمة و النعمة الآتية من المسيح مصدرها في الحقيقة هو الله الآب الفياض والمنعم ابتداء و ذاتا، لذا نجد بولس يرفع الشكر و الثناء و الصلاة و التمجيد لله تعالى.

غير معرف يقول...

ثالثـاً : أقوال بولـس الصريحة الواضحة في أن اللهَ تعالى إلـهُ المسـيحِ و خالقُهُ و سيدُهُ و أن المسيحَ عبدٌ مخلوقٌ خاضعٌ لسلطان الله :

1 ـ أما أن المسيح عليه السلام مخلوق لله فقد جاء واضحا في رسالة بولس إلى أهل قولسي (أو كولوسي ) (1 /15 ) حيث قال يصف المسيح:

" هو صورة الله الذي لا يرى و بكر كل خليقة "

قلت : أما عبارة صورة الله الذي لا يرى، فسأتكلم عنها مفصلا عندما سنتعرض بعد قليل لتفنيد الشبهات التي يتمسك بها المؤلهون للمسيح من كلمات بولس، أما مرادنا من العبارة فهو وصف المسيح بأنه " بكر كل خليقة " التي تصرح بأن المسيح هو باكورة خليقة الله أي أول مخلوقات الله المتصدر لعالم الخلق، و بديهي أن المخلوق عبد لخالقه و لا يكون إلـها أبدا.

2 ـ و أما أن اللهَُ تعالى إلـهُ المسيح فقد جاء صريحا في قول بولس في رسالته إلى أهل أفسس (1 / 16 ـ 17 ):

" لا أكف عن شكر الله في أمركم، ذاكرا إياكم في صلواتي لكي يهب لكم إلــهُ ربِّنا يسوع المسيحِ، أبو المجد، روحَ حكمة يكشف لكم عنه تعالى لتعرفوه حق المعرفة "

قلت: فهذا بيان صريح في أن الله تعالى، أبا المجد، هو إلــهُ يسوع، و بالتالي يسوع عبده، و هذا نفي قاطع لإلـهية المسيح لأن الإله لا يكون له إلـه !

3 ـ و أما أن المسيح يستمد قوته من الله و يخضع في النهاية، ككل المخلوقات، لله تعالى، فقد جاء صريحا في كلام بولس التالي، في رسالته الأولى إلى أهل قورنتس (كورنثوس): (15 / 24ـ 28 ):

" ثم يكون المنتهى حين يسلِّم (المسيحُ ) المُلْـكَ إلى اللهِ الآبِ بعد أن يكون قد أباد كل رئاسة و سلطان و قوة. فلا بد له (أي للمسيح ) أن يملك حتى ((يجعل جميع أعدائه تحت قدميه ))، و آخر عدو يبيده هو الموت، لأنه ((أخضع كل شيء تحت قدميه )). و عندما يقول: ((قد أخضع له كل شيء )) فمن الواضح أنه يستثني الذي أخضَعَ له كلَّ شيء. و متى أَخضَع له كل شيء، فحينئذ، يخضع الابن نفسه لذاك الذي أَخضَعَ له كلَّ شيء، ليكون اللهُ كل شيء في كل شيء. "

قلت: تظهر من هذا النص الحقائق التالية:

¨ أن المُلْكَ الحقيقيَ الأصيلَ لِلَّهِ الآبِ وحدَه، و أما السلطان و المُلْكُ الذي أوتيه المسيح، فهو من عطاء الله و موهبته، و هو أمانة لأداء رسالة محددة وفق مشيئة الله، ثم يسلم المسيح فيما بعد الأمانة لصاحبها الحقيقي.

¨ أن المسيح لم يخـضِع شيئا من قوات الشر في العالم بقوته الذاتية، بل الله تعالى هو الذي أخضعها له.

¨ أن المسيح نفسَه، بعد أن ينصره الله على قوى الشر و يجعلها تحت قدميه، سيخضع بنفسه لله ليكون الله تعالى وحده الكل في الكل. و يذكرنا هذا بقوله تعالى في قرآنه المجيد: ((و أن إلى ربك المنتهى )).

و كل نقطة من هذه النقاط الثلاث تأكيد واضح على عدم إلـهية المسيح و كونه محتاجا لله و خاضعا له سبحانه و تعالى، و على انحصار الإلهية بالله الآب وحده.

4 ـ و هاك قول آخر لبولس يؤيد أيضا ما قلناه، قال في رسالته الثانية إلى كورنثوس (13 /4 ):

" أجل، قد صُـلِبَ (أي المسيح ) بضعفه، لكنه حيٌ بقوة الله. و نحن أيضا ضعفاء فيه، و لكننا سنكون أحياء معه بقدرة الله فيكم. "

قلت: فما أصرح هذه العبارة في تأكيد عبودية المسيح لله و عدم إلـهيته، حيث يقول أنه أي المسيح ضعيف بنفسه لكنه حي بقوة الله تعالى، مثلنا نحن الضعفاء بأنفسنا و لكن الأحياء بقوة الله تعالى.

5 ـ و أما أن اللهَ تعالى سيدُ المسيح و مولاه الآمرُ له، فجاء واضحا في قول بولس في رسالته الأولى إلى أهل قورنتس أيضا (11 / 3 ):

" و لكني أريد أن تعلموا أن رأس كل رجل هو المسيح و رأس المرأة هو الرجل و رأس المسيح هو الله ".

قلت: من الواضح أنه ليس المراد هنا بالرأس، معناه الحقيقي، بل المراد معنىً مجازيٌّ للرأس هو "الرئيس المُطاع و السيد الآمر" [5]. فهذا النص يقول أنه كما أن الرجل هو سيد المرأة و رئيسها القوام عليها و الذي ينبغي عليها إطاعته [6]، فكذلك المسيح عليه السلام سيد الخلق (في عصره) الذي ينبغي على الناس إطاعته و الامتثال لأمره، و الله تعالى سيد المسيح و رئيسه و القوام عليه، الذي يجب على المسيح إطاعته و الامتثال لأمره. أفليس هذا رد صريح للادعاء بأن المسيح هو الله ذاته أو أنه إله مماثل لأبيه؟‍‍‍‍‍!



رابعاً: تأكيد بولس الدائم، على الغـيـريـّة الكاملة بين الله تعالى و المسـيح عليه السلام و التعبير عنهما دائما ككائنين اثنين و شخصين منفصلين :

غير معرف يقول...

من أوضح الأدلة على عدم اعتقاد بولس إلـهية المسيح ما يظهر في كل عبارة من عبارات رسائله من فصل و تمييز واضحين بين الله، و الذي يعبر عنه غالبا بالآب أو أبينا، و المسيح الذي يعبر عنه غالبا بالرب أو ربنا، و اعتبارهما شخصين اثنين و كائنين منفصلين. و توضيح ذلك أن بولس يؤكد أن الله واحد أحد لا إله غيره، كما مر، كما يؤكد ألوهية الآب، و يؤكد أن المسيح غير الآب، فبالنتيجة لا يمكن أن يكون المسيح إلـها ـ في نظر بولس ـ لأنه لو كان إلـها لصار هناك إلـهين اثنين، طالما أن المسيح غير الآب، و هذا ما يؤكده بولس عندما يؤكد أن الله واحد لا إله غيره. و أعتقد أن المسألة واضحة لا تحتاج لتأمل كبير! و الشواهد على هذا الموضوع ـ أعني أن الله غير المسيح و أنهما اثنين ـ من كلام بولس، كثيرة جدا، مر بعضها فيما سبق، و نضيف هنا بعض الشواهد الأخرى لمزيد من التوضيح:

1 ـ الديباجة الدائمة التي يفتتح بها بولس رسائله فيقول:

" عليكم النعمة و السلام من لدن الله أبينا و الرب يسوع المسيح " [7]

2 ـ في رسالته الأولى إلى أهل قورنتس (3 / 22 ):

" كل شيء لكم و أنتم للمسيح و المسيح لله "

3 ـ و في رسالته الثانية إلى أهل تسالونيقي (2 / 16 ـ 17 ):

" عسى ربنا يسوع المسيح نفسه، و الله أبونا الذي أحبنا و أنعم علينا بعزاء أبديٍّ و رجاء حسنٍ، أن يعزيا قلوبكم و يثبتاها في كل صالح من عمل و قول "

4 ـ و في رسالته إلى أهل أفسس (1 / 19 ـ 22 ) يتحدث بولس عن عمل الله الذي عمله في المسيح فيقول:

"... إذ أقامه من بين الأموات و أجلسه إلى يمينه في السموات فوق كل صاحب رئاسة و سلطان و قوة و سيادة و فوق كل اسم يسمى به مخلوق، لا في هذا الدهر وحده بل في الدهر الآتي أيضا، و جعل كل شيء تحت قدميه و وهبه لنا فوق كل شيء رأسا للكنيسة "

و هذا الموضوع نفسه تكرر مرارا في رسائل بولس. انظر على سبيل المثال: أعمال الرسل: 13 / 30، و رسالته إلى أهل رومية: 8 / 11 و 10 / 9، و رسالته الأولى إلى أهل تسالونيقي: 1 / 10، و رسالته إلى أهل أفسس: 1 / 20 و رسالته إلى أهل قورنتس: 6 / 14.

ففي كل هذا تأكيد واضح وضوح الشمس في رابعة النهار على التمييز و الفصل الكامل بين الله و المسيح و أنهما اثنان لا واحد.



خامساً: بولس يصف المسيح بصفات ينفيها عن الله و يـنـزِّه الله عنها:

1 ـ بين بولس مراراً موت المسيح و أنه دفن و بقي في قبره ثلاثة أيام إلى أن بعثه الله تعالى حيا: انظر رسالته إلى رومية: 8 / 34 و 14 / 9، و رسالته إلى أهل غلاطية: 2 / 21، و رسالته إلى أهل فيليبي: 2 / 8.. الخ.

هذا في حين يقول بولس واصفا الله تبارك و تعالى: "..... المبارك العزيز الوحيد، ملك الملوك و رب الأرباب الذي وحده له عدم الموت ساكنا في نور لا يدنى منه، الذي لم يره أحد من الناس و لا يقدر أن يراه، الذي له الكرامة و القدرة الأبدية. آمين. " [8]

2 ـ كما ذكر بولس في رسائله مرارا أن المسيح تألم و عانى الشدائد، فعلى سبيل المثال نجده يقول في رسالته إلى أهل كولوسي ( / 24): "... أفرح في آلامي لأجلكم و أكمل نقائص شدائد المسيح في جسمي لأجل جسده الذي هو الكنيسة "، أو يقول في رسالته الثانية إلى أهل قورنتس (1 / 5 ): " فكما تفيض علينا آلام المسيح، فكذلك بالمسيح يفيض عزاؤنا أيضا ".

غير معرف يقول...

هذا في حين أن بولس، لما كان يقوم بالتبشير مع برنابا، في منطقة إيقونية، و ظهرت على أيديهما معجزات في مدينة لسترة حيث أقاما رجلا مقعدا خلقة فجعلاه يمشي ـ كما جاء في سفر أعمال الرسل ـ، و هجم وثنيو المدينة عليهما معتقدين أنهما إلهين نزلا من السماء! و أرادوا أن يقدموا لهما ذبائح!! فصاحا (أي بولس و برنابا ) في أولـئك الوثنيين الجهلة قائلين:

" أيها الرجال! لماذا تفعلون هذا؟ نحن أيضا بشر تحت آلام مثلكم نبشركم أن ترجعوا من هذه الأباطيل إلى الإلـه الحي الذي خلق السموات و الأرض و البحر و كل ما فيها... " أعمال الرسل: 14 / 8 ـ 15.

فاعتبر بولس أن كونه و زميله بشرا تحت آلام أكبر دليل على أنهما ليسا بآلهة. و بالتالي فانطلاقا من هذا المنطق الصحيح لا يمكن أن يكون المسيح إلـها برأي بولس، لأن المسيح أيضا كان بشرا تحت شدائد و آلام كما مر معنا من أقوال بولس التي سقناها آنفا.

______________________


القسم الثاني: شبهات المؤلهين للمسيح من عبارات بولـــس و الرد عليها


الشبهة الأولى

قول بولس عن المسيح: " و هو فوق كل شيء إلـهٌ مباركٌ أبد الدهور ". الرسالة إلى أهل رومة: 9/ 3 ـ 5.


الرد على هذه الشبهة:

في البداية ننقل تمام الفقرة التي جاءت ضمنها تلك الجملة. يقول بولس:

" لقد وددت لو كنت أنا نفسي محروما و منفـصلا عن المسيح في سبيل أخوتي بين قومي باللحم و الدم، أولـئك الذين هم بنو إسرائيل و لهم التبني و المجد و العهود و التشريع و العبادة و المواعيد و الآباء، و منهم المسيح من حيث إنه بشر، و هو فوق كل شيء إلـه مبارك أبد الدهور. آميــن ".

و الآن أقول: إن العبارة التي وضعتُ تحتها خط، عبارةٌ مختلف في ترجمتها. أي أن الأصل اليوناني للعبارة يمكن قراءته على نحو آخر، كما أشارت لذلك الترجمة الفرنسية الحديثة المراجعة للعهد الجديد في حاشيتها فقالت ما نصه:

" On peu traduire aussi: De qui est issue le Christ selon la chair. Que le Dieu qui est au-dessus de toute choses soit beni eternellment. Amen " [9] a

و ترجمته : " نستطيع أن نترجم أيضا (على النحو التالي ): و منهم المسيح حسب الجسد. تبارك الله الذي هو فوق كل شيء أبد الدهور. آميـن."

في هذه القراءة نلاحظ أن الكلام من عند: و منهم المسيح... ينتهي بعبارة: بحسب الجسد." ثم نقطة. ثم تبدأ جملة مستأنفة جديدة هي: " تبارك الله الذي هو فوق كل شيء.. الخ."، و عليه فالكلام، في هذه القراءة، ليس فيه أي تأليه للمسيح.

هذا و لقد أحسَـنَت الترجمة الإنجليزية العصرية المراجَعة للعهد الجديد، حيث لم تذكر هذه القراءة الثانية في الحاشية، بل جعلتها هي الأصل و هي الترجمة الصحيحة المختارة فترجمت العبارة في المتن كالتالي:

“ And Christ , as a human being , belongs to their race. May God , who rules over all , be praised for ever. Amen“ [10] a

و ترجمته: " و المسيح، ككائن بشري ينتمي لعرقهم. ليتبارك الله الذي يحكم فوق الجميع للأبد. آمين. ".

غير معرف يقول...

الشبهة الثانية

قول بولـس: ".... منتظرين الرجاء المبارك و ظهور مجد الله العظيم و مخلصنا يسوع المسيح". رسالته إلى تيطس (2/13) بحسب النسخة البروتستانتية.


الرد على هذه الشبهة:

أولاً: العبارة، حتى في صورتها الحالية، لا تدل على ألوهية المسيح، لأن جملة: " و مخلصنا يسوع المسيح " معطوفة على الله العظيم بواو العطف التي تقتضي المغايرة، و العامل في الجملتين هو المصدر: ظهور، أي أن العبارة معناها كالتالي: منتظرين ظهور مجد الله و ظهور مخلصنا المسيح.

ثم ينبغي أن نلاحظ أن الظهور سيكون لمجد الله لا لذات الله، و لا شك أن ظهور نبي الله و سيادته على العالم هو ظهور لمجد الله في الواقع، كما أننا لو قلنا مثلا: لقد ظهرت رحمة الله وقوته بظهور النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، لا يعني ذلك أن محمداً هو الله ذاته و العياذ بالله!

و ثانياً: ذكرت حاشية الترجمة العربية الحديثة الكاثوليكية للعهد الجديد، بإشراف الرهبانية اليسوعية تعليقا على هذه الفقرة، ما يلي:

" منهم من يترجم: مجد إلـهنا العظيم. و مجد مخلصنا يسوع المسيح ". ثم حاول المحشي أن يثبت رجحان الترجمة الأولى التي في المتن و التي تؤكد حسب زعمه لاهوت المسيح. و كلا الادعائين خطأ. أما كون الترجمة الأولى تؤكد لاهوت المسيح فقد تبين بطلانه، و أما الدليل على عدم رجحان الترجمة الأولى فهو أن كل ما ذكرناه في الفصل السابق من نصوص عن بولـس يؤكد فيها تفرد الآب بالألوهية و أنه إلـه المسيح و خالقه، و أن المسيح عبده الطائع الخاضع لسلطانه، يوجب حمل كل عبارة لبولـس تحتمل معنيين ( أحدهما يجعل المسيح هو الله و الآخر لا يجعله الله ) على المعنى الذي لا يؤله المسيح لكي يبقى كلام بولـس متسقا مع بعضه منسجما غير متناقض. و بتعبير آخر، إن نصوص بولـس الصريحة المحكمة في نفي إلهية المسيح و إفراد الله الآب بالإلـهية، تحكم على النصوص المتشابهة، فتفسر المعنى المراد منها، و هذا ما يعبر عنه في علم التفسير الإسلامي بـرد المتشابه إلى المحكم.

هذا و من المفيد أن نذكر أن الترجمة الإنجليزية العصرية المراجعة للعهد الجديد أوردت في حاشية هذا النص تعليقا يبين هذا الاحتمال الثاني لترجمة العبارة من الأصل اليوناني فقالت:

“ Or: (The Glory of ) the Great God and our Savior Jesus Christ “

أي: " أو (مجد ) الله العظيم و (مجد) مخلصنا يسوع المسيح ".



الشبهة الثالثة

قول بولـس: " الله ظهر في الجسد، تبرر في الروح، تراءى للملائكة، كُرِزَ به بين الأمم، أومِنَ به في العالم، رُ فِـع في المجد ". رسالته إلى تيموثاوس (3/ 16 ) كما في الترجمة التقليدية البروتستانتية.


الرد على هذه الشبهة:

إن ذكر لفظ الجلالة " الله " كفاعل لفعل " ظهر "، إنما هو اجـتهاد و تصرف من المترجم و لا وجود لهذه اللفظة في الأصل اليوناني بل فعل " ظهر " فيها مذكور بدون فاعل، أي مذكور بصيغة المبني للمجهول " أُظْـهِـرَ "، كما هو حال سائر أفعال الفقرة: كُـرِزَ به بين الأمم، أومنَ به في العالم...

و قد اتبعت الترجمة العربية الحديثة الكاثوليكية الأصل اليوناني بدقة فذكرت فعل ظهر بصيغة المبني للمجهول، و لم تأت بلفظ الجلالة هنا أصلا، و إليكم ما ذكرته بعين حروفه:

" و لا خلاف أن سر التقوى عظيم. قد أُظهِرَ في الجسد، و أُعـلِن بارا في الروح و تراءى للملائكة و بُشِّر به عند الوثنيين و أومن به في العالم، و رُفِـعَ في المجد ".

و نفس الأمر في الترجمتين الحديثتين المراجعتين الفرنســية و الإنـجليزية. و بهذا يبطل استدلالهم بالآية على إلـهية المسيح، لأن الذي ظهر في الجسد هو المسيح، الذي كان كائنا روحيا فيما سبق ـ إذ هو أول خليقة الله حسب عقيدة بولـس ـ و ليس الله.

بالإضافة إلى أن بعض الجمل اللاحقة تؤكد أن الذي ظهر ليس الله و لا هو بإلـه، كعبارة: أُعلِنَ بارّاً في الروح، أو عبارة رُفِعَ في المجد.

حيث أنه من البديهي أن الله تعالى الممجد في علاه القدوس أزلا و أبدا، لا يمكن أن يأتي أحد و يرفعه في المجد أو يعلنه بارّاً في الروح !! إنما هذا شأن العباد المقربين و الرسل المكرمين و حسب.

غير معرف يقول...

الشبهة الرابعة

وصف بولس للمسيح بأنه " صورة الله ".


الرد على هذه الشبهة :

قبل تفنيد هذه الشبهة، يجدر بنا أن نذكر الفقرات التي جاء تعبير بولس هذا ضمنها. فالأول جاء في رسالته الثانية إلى أهل كورنثوس (4 / 3 ـ 4) كما يلي :

" فإذا كانت بشارتنا محجوبة، فهي محجوبة عن السائرين في طريق الهلاك. (محجوبة ) عن غير المؤمنين، الذين أعمى أبصارهم إلـه هذه الدنيا لئلا يبصروا نور بشارة مجد المسيح و هو صورة الله ".

و الموضع الثاني جاء في رسالته إلى أهل فيليبي (2 / 5 ـ 8 ) :

" فليكن فيما بينكم الشعور الذي هو أيضا في المسيح يسوع، فمع أنه في صورة الله لم يعد مساواته لله غنيمة بل تجرد من ذاته متخذا صورة العبد و صار مثال البشر و ظهر في هيئة إنسان فوضع نفسه و أطاع حتى الموت موت الصليب " [11].

و الآن نقول: إن وصف بولس للمسيح بأنه " صورة الله "، ليس فيه أي تأليه للمسيح، لأن هذه الصفة تكررت بعينها مرات عديدة في الكتاب المقدس بعهديه القديم و الجديد، و وصف بها الإنسان، بشكل عام و الرجل بشكل عام أيضا، و يفهم من تتبع موارد استعمالها في الكتاب المقدس أنها تعني نوع من التشابه العام أو العلاقة و الترابط بين الإنسان ككل و الله .

فقد جاء في سفر التكوين من التوراة الحالية: " و قال الله: لنصنع الإنسان على صورتنا كمثالنا و ليتسلط على أسماك البحر و طيور السماء و البهائم و جميع وحوش الأرض و جميع الحيوانات التي تدب على الأرض، فخلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلقه ذكرا و أنثى... " تكوين: 1 / 26 ـ 27.

يقول مفسرو التوراة أن المقصود بكون الإنسان خلق على صورة الله هو ما يتميز به الإنسان عن الجمادات و النباتات و الحيوانات بالعقل الكامل و القدرة على النطق و التعبير عما يريد و بالإرادة و الاختيار الحر و بالاستطاعة و القدرة، فضلا عن السمع و البصر و الحياة و الإدراك و العلم... الخ، أي أن هناك تشابه عام بين صورة الله في صفاته و الإنسان، لذا قال سبحانه أنه خلق الإنسان على صورته [12] ، و بتعبير آخر أن الله شاء أن يخلق مخلوقا تنعكس و تتجلى فيه ومضة من صفاته تعالى من العقل و الإرادة و الاختيار و الحياة و العلم و المعرفة و الكلام و القدرة و السمع و البصر... الخ.

و لما كانت صفات الكمال، من قوة و قدرة و عقل و حكمة، موجودة في الرجل أكثر من المرأة، لذا نجد بولس يعبر عن الرجل ـ كل رجل ـ بأنه " صورة الله " فيقول مثلا في رسالته الأولى إلى أهل قورنتس (11 / 7 ):

" و أما الرجل فما عليه أن يغطي رأسه لأنه صورة الله و مجده "

و طبعا كلما ترقى الإنسان في الكمالات و تخلق أكثر بأخلاق الله، كلما صار أكثر عكسا لصفات الله، و كلما تجلت فيه أسماء الله و صفاته الحسنى كالعلم و القدرة و العزة و العدل و الحلم و الكرم و الرحمة و الرأفة و الصبر و القداسة.... أكثر، لذا نجد بولس يتكلم عن نفسه و عن سائر الأولياء و القديسين فيقول:

" و نحن جميعا نعكس صورة مجد الرب بوجوه " مكشوفة " كما في مرآة، فتتحول إلى تلك الصورة و نزداد مجدا على مجد و هذا من فضل الرب الذي هو روح " قورنتس: 3 / 18.

كما يقول في موضع آخر موصيا المؤمنين بالتخلُّق بأخلاق الله و العيش حياة مسيحية كاملة:

" أما الآن فألقوا عنكم أنتم أيضا كل ما فيه غضب و سخط و خبث و شتيمة. لا تنطقوا بقبيح الكلام و لا يكذب بعضكم بعضا، فقد خلعتم الإنسان القديم و خلعتم معه أعماله، و لبستم الإنسان الجديد ذاك الذي يجدد على صورة خالقه ليصل إلى المعرفة " رسالة بولس إلى أهل قولسي: 3 / 8 ـ 10. فإذا كانت صفة " صورة الله" تقتضي الألوهية، فبمقتضى كلام بولس نفسه ينبغي أن يكون جميع القديسين بل جميع الرجال آلهة! و هذا ما لا يتفوه به عاقل و لا يشك في بطلانه أحد.

و لا شك أن الأنبياء هم المظهر الأتم و الأكمل لأسماء الله الحسنى و صفات جلاله و جماله، فمن هذا المنطلق يعبر بولس عن المسيح بعبارة " صورة الله ".

غير معرف يقول...

أما قول بولس عن المسيح، في الشاهد الثاني: " فمع أنه في صورة الله، لم يعد مساواته لله غنيمة، بل تجرد من ذاته متخذا صورة العبد و صار على مثال البشر و ظهر في هيئة إنسان... الخ "، فقد يظن البعض أن فيه تصريحاً بألوهيته لأنه صرح بمساواته لله، و بأنه تجسّد و أخذ صورة العبد و لبس لباس البشر، فصرح بالتجسّد.

فنقول: إن قوله " مساواته لله " ليست إلا تعبيرا آخر عن عبارته " أنه في صورة الله " و التي عرفنا أن المقصود منها أنه لما كان الإنســان الكـامـل مجـلى و صورة تنعكس فيها صفات الحق جـلَّ و علا من عقل كامل و علم و إرادة و اختيار و قدرة و عدل و حكمة، و طهر و قداسة، و حب و رحمة و رأفة..... الخ، لذا عبر عنه بأنه صورة الله، و مماثل لله، فيقول بولس أن المسيح لم يستغل هذا التناظر و التساوي (الصفاتي الصوري) مع الله، لكي يفتخر و يتكبر و لا يخضع لله و يرى أنه صار على مستوى الله، كلا و حاشا، و لعله في هذا يلمِّح إلى آدم الذي ـ حسبما تنقل التوراة التي تشكل خلفية فكر بولس باعتباره كان من أحبار اليهود ـ حاول أن يستغل قدرته و إرادته الحرة للأكل من الشجرة المحرمة ليكون مساويا لله في علمه و أبديته، حيث أن الشجرة ـ حسب نقل تلك التوراة ـ كانت شجرة معرفة الخير و الشر و شجرة الخلد و الملك الذي لا يبلى و لا يفنى، أما المسيح فعلى العكس اختار التواضع و الطاعة لمشيئة أبيه و وضع نفسه و استسلم للموت ـ على حد قول بولس ـ .

و أما قوله عن المسيح أنه صار على مثال البشر و ظهر بهيئة إنسان، فيعود لفكرة بولس عن المسيح التي سبق و شرحناها، و هي أنه يرى في المسيح أول (أو بتعبيره: بكر ) خليقة الله، فكان كائنا روحيا قبل خلق العالم و به و فيه خلق الله سائر الأشياء، فليس في تجسده أي إشارة للألوهية أو دلالة عليها.

و لا يختلف تجسده عن تجسد جبريل الأمين لما ظهر لمريم أو تجسد الملائكة الثلاثة الذين زاروا إبراهيم عليه السلام، إذ من البديهي أن التجسد بحد ذاته لا يعني أكثر من ظهور كائن روحي بمظهر جسدي إنساني أما أن هذا الكائن الروحي كان قبل تجسده إلـها أو غير إلـه، فهذا يحتاج لدليل آخر.

هذا أولا، و ثانيا: إذا نظرنا إلى تتمة كلام بولس، ظهر لنا بكل وضوح انتفاء قصد إلـهية المسيح و استحالة كون المسيح هو الله في نظر بولس، حيث قال: " فوضع نفسه و أطاع حتى الموت موت الصليب، لذلك رفعه الله إلى العلى و وهب له الاسم الذي يفوق جميع الأسماء..." فيليبي: 2 / 8 ـ 9.

فعبارات أنه مات ثم رفعه الله إلى العلا و وهب له الاسم... تصيح بأعلى صوتها أن المسيح ليس الله بل عبد لله، محتاج له، و ليس بإلـه، لأن الإلـه لا يموت و لا يحتاج لمن يرفعه للعلا، و لا لمن يهبه أي شيء

غير معرف يقول...

الشبهة الخامسة

قول بولس عن المسيح: " فقد حسن لدى الله أن يحل به الكمال كله "، ثم قوله: " فـفـيه (أي في المسيح) يحل جميع كمال الألوهية حلولا جسديا " [13]


الرد على هذه الشبهة:

إذا رجعنا لرسائل بولس، عرفنا أن مقصوده من حلول الكمال الإلـهي في شخص ما، ليس معناه أبدا حلول الذات الإلـهية فيه أو اتحادها به و تحول الشخص لله!! بل هو تعبير عن المعية الإلـهية و حصول التأييد و التوفيق الإلـهي بحيث يكون الشخص مجلى تنعكس فيه صفات الله من علم و حكمة و استقامة و قداسة و عدل و رحمة و قدرة خارقة و و.... و الدليل على ذلك أن بولس يرى أن روح الله و كمال الله حال في كل المؤمنين الصادقين و القديسين البارين، حيث يقول في رسالته إلى أهل رومية:

" أما أنتم فلستم تحيون بالجسد، بل في الروح لأن روح الله حال فيكم "

و يقول أيضا في رسالته إلى أهل أفسس:

"... و تعرفوا محبة المسيح التي تفوق كل معرفة، فتمتلئوا بكل ما في الله من كمال "

و من الواضح أن بولـس لا يدعو مسيحيي أفسس أن يصبحوا الله و لا بأن ذات الإلـه حالة في المؤمنين من أهل رومية! و إنما يريد بعباراته: " حلول الكمال الإلـهي " أو " حل به كمال الله " أو " روح الله حال فيه " التعبير عن التأييد الإلـهي للمؤمنين و أن روح الله بمعنى المحبة و القداسة و الأناة و الشفقة و العدل و الحكمة و... الكمالات الإلهية صارت إليهم و معهم و بهم، فصاروا مع الله منقطعين عن أنفسهم و ذواتهم و أهوائهم و عن سائر الأغيار، فانين بكليتهم في الله و إرادته.

و لعل هذا النمط من التعبير يشابه ماورد في الإسلام، في الحديث القدسي الشريف الذي أخرجه الإمام البخاري في صحيحه بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ): " إن الله قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب و ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه و ما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصره به و يده التي يبطش بها و رجله التي يمشي بها... الحديث " [14]



الشبهة السادسة

تعبير بولس عن المسيح بـ "ابن الله"


الرد على هذه الشبهة:

لعل ما ذكرناه سابقا في الفصل الماضي من بيان مقصود لغة الكتاب المقدس من عبارة ابن الله يكفي لتفنيد هذه الشبهة [15] ، حيث يستخدم بولس نفس لغة و تعبيرات الكتاب المقدس، و لكن لمزيد من الإيضاح نورد هنا أقوال لبولس نفسه يعبر فيها عن المؤمنين البارين القديسين بأنهم أبناء الله، فقد قال مثلا في رسالته إلى أهل رومية (8 / 13 ـ 17):

"... لأنكم إذا حييتم حياة الجسد تموتون أما إذا أمتم بالروح أعمال الجسد فستحيون. إن الذين ينقادون لروح الله يكونون أبناء الله حقا. لم تتلقوا روح عبودية لتعودوا إلى الخوف بل روح تَـبَـنٍّ به ننادي: أبا، يا أبـتِ ! و هذا الروح نفسه يشهد مع أرواحنا بأننا أبناء الله. فإذا كنا أبناء الله فنحن ورثة: ورثة الله و شركاء المسيح في الميراث لأننا إذا شاركناه في آلامه نشاركه في مجده أيضا ".

و قال في رسالته إلى أهل غلاطية (3 / 26):

" لأنكم جميعا أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع ".

فالتعبير عن الشخص بابن الله إشارة لمرتبة روحية لا لطبيعة تكوينية. ولو كان مقصود بولس من بنوة المسيح لله شيء آخر، أي طبيعة تكوينية، لما أجاز مشاركة المؤمنين الصالحين للمسيح فيها حين قال: و شركاء المسيح في الميراث، إذ من المسلَّم به قطعا أن بولس لا يزعم أن الصالحين يصيرون بصلاحهم آلهة!!، فلا يبقى إلا المشاركة في المرتبة الروحية و الدنو من الله و الاختصاص التام به حتى يكونوا فعلا كمنزلة الابن من أبيه.

غير معرف يقول...

الشبهة السابعة

تعبير بولس عن المسيح بـِ " الربّ "


الرد على هذه الشبهة :

كلمة " الرب " هي عبارة بولس المفضلة عندما يشير إلى المسيح عليه السلام، و هو يكررها في رسائله كثيرا، خاصة في افتتاحيات رسائله حين يقول مثلا: "عليكم النعمة و السلام من لدن أبينا و الرب يسوع المسيح، تبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح... " (2 قورنتس: 1/2 ـ3)، أو قوله: " و يشهد كل لسان أن يسوع المسيح هو الرب " (فيليبي: 2/1)... الخ.

و الحقيقة أن وصف المسيح بالربّ أو بربِّنا، لا يقتصر على بولس بل يقول به جميع أصحاب رسائل العهد الجديد الآخرين أيضا، أي القديسون يوحنا و بطرس، و يهوذا و يعقوب أخوا المسيح عليه السلام لأمه.

و كان هذا مما صدمني جدا لما طالعت العهد الجديد لأول مرة، إذ كنت أتصور أن مرادهم من كلمة الرب ما نعهده نحن المسلمون منها: أي رب العالمين و بارئ الخلائق أجمعين الخالق الرازق سبحانه و تعالى... فكنت أستغرب وأستهجن وصف المسيح الذي هو عبدٌ لله تعالى و محتاج لمدده، بصفة الرب، أي جعله خالقنا و رازقنا مع أنه هو نفسه مخلوق و مرزوق من الله!!

إلا أني لما تبحرت بمطالعة العهد الجديد و درست مدلولات بعض ألفاظه، خاصة لفظة الرب و مشتقاتها، دراسة مقارنة دقيقة، تأكدت من أن كتَّاب و مؤلفي العهد الجديد لم يكونوا يعنون بكلمة الرب عند إطلاقها على المسيح معنى الله الخالق الرازق أبدا، بل يعنون بها معنى المعلم و السيد المطاع أمره، فكلمة الرب كانت وصفا لمنزلة المسيح الرسالية النبوية التعليمية و مقامه ومنصبه الذي أقامه الله فيه، لا وصفا لطبيعته أو تحديدا لجوهر ذاته.

و قد سبق و أشرت، في الفصلين الماضيين، لعض الشواهد من الأناجيل التي تدل على ذلك، و فيما يلي إعادة سريعة لها :

(1) فقد جاء في إنجيل يوحنا أن اليهود كانوا يخاطبون النبي يحيى عليه السلام بعبارة :

"رابِّـي " (يوحنا: 3/26) ، و من الواضح أن أحدا لم يقصد ألوهية يحيى عليه السلام .

(2) كما جاء في نفس الإنجيل (يوحنا: 1/38) أيضا ما نصه:

" فقالا (للمسيح): ربِّـي!، الذي تفسيره يا معلم، أين تمكث؟ "

[ ملاحظة: جملة: (الذي تفسيره يا معلم) المعترضة، هي ليوحنا نفسه مؤلف الإنجيل و ليست لأحد من الشراح، فهي من متن الإنجيل نفسه وليست مضافة] .

(3) و جاء في إنجيل يوحنا كذلك (20 / 16) :

" قال لها: يا مريم! فالتفتت إليه و قالت له ربوني الذي تفسيره: يا معلم ".

(4) و جاء أيضا في إنجيل يوحنا (13/ 13 ـ 14)أن المسيح قال لتلامذته:

غير معرف يقول...

" أنتم تدعوني " المعـلِّـم و الـرب " و أصبتم فيما تقولون فهكذا أنا. فإذا كنت أنا الرب و المعلم قد غسلت أقدامكم فيجب عليكم أنتم أيضا أن يغسل بعضكم أقدام بعض ".

لكن النسخة التقليدية القديمة (البروتستانتية)للعهد الجديد ترجمت نفس تلك الآيات كالتالي:

" أنتم تدعوني معلماً و ســيـداً و حسنا تقولون لأني أنا كذلك، فإن كنت وأنا الســيـد و المعلم غسلت أرجلكم فأنتم يجب عليكم أن يغسل بعضكم أقدام بعض"

إذاً ما ترجم بالسـيِّـد في الترجمة التقليدية القديمة، ترجم بالـربّ في الترجمة الحديثة، أي اختيرت لفظة الرب بدلا من السيد لترجمة الأصل اليوناني، مما يؤكد أن المقصود بالأصل من كلمة الرب هو معنى السيد و أنهما مترادفان.

(5) و جاء في إنجيل لوقا (20 / 41 ـ 44) أن المسيح عليه السلام قال لليهود:

" كيف يقال للمسيح أنه ابن داود و داود نفسه يقول في كتاب المزامير: "قال الرب لـربـِّي: اجلس عن يميني حتى أجعل أعداءك موطئا لقدميك"؟ فداود نفسه يدعو المسيح ربا، فكيف يكون المسيح ابنه؟ ".

في هذا النص يستند المسيح عليه السلام لآية في مزامير داود (الزبور) يعتبرها بشارة عنه، فإذا رجعنا لمزامير داود في العهد القديم وجدنا أن البشارة هي الآية الأولى من المزمور رقم 110، و لفظها ـ كما في الترجمة الكاثوليكية الحديثة ـ:

" قال الرب لسـيّدي اجلس عن يميني حتىأجعل أعداءك موطئا لقدميك" العهد القديم / ص 1269.

فما عبر عنه المسيح بلفظة ربي هو في الحقيقة بمعنى سيدي و لا حرج فالمقصود واحد.

لذلك نجد أن الترجمات العربية المختلفة للعهد الجديد، خاصة القديمة منها كانت تستخدم لفظة السيد في مكان لفظة الرب، و لفظة المعلم في مكان لفظة رابِّـي. و فيما يلي أمثلة مقارنة تدل على ما نقول، أخذناها من ثلاث ترجمات مختلفة للعهد الجديد هي التالية (من الأقدم إلى الأحدث):

• الترجمة البروتستانتية القديمة التي قامت بها: جمعية التوراة البريطانية و الأجنبية، طبع كامبريدج، بريطانيا. و رمزتُ لها بالترجمة البريطانية البروتستانتية.

• الترجمة المسماة: كتاب الأناجيل المقدسة. طبع المطبعة المرقسية الكاثوليكية بمصر في عهد رئاسة الحبر الجليل الأنبا كيرلِـس الثاني بطريرك المدينة العظمى الإسكندرية و سائر الكرازة المرقسية، سنة 1902 مسيحية. و رمزتُ لها بالترجمة المصرية الكاثوليكية.

• ترجمة الكتاب المقدس الحديثة التي قامت بها الرهبانية اليسوعية في بيروت عام 1989 و نشرتها دار المشرق. و رمزتُ لها بالترجمة البيروتية اليسوعية.


موضع الشاهد


الترجمة البريطانية البروتستانتية


الترجمة المصرية الكاثوليكية


الترجمة البيروتية اليسوعية

إنجيل يوحنا: 1/ 49
أجاب نثنائيل و قال له: يا معلم ! أنت ابن الله أنت ملك إسرائيل. أجاب ناثانائيل و قال له: رابي ! أنت هو ابن الله أنت ملك إسرائيل. أجابه نتنائيل: رابي ! أنت ابن الله، أنت ملك إسرائيل.

إنجيل يوحنا: 3/ 1 ـ 2




هذا جاء إلى يسوع ليلا و قال له: يا معلم نعلم أنك قد أتيت من الله معلما لأنه ليس أحد يقدر أن يعمل هذه الآيات التي أنت تعمل إن لم يكن الله معه.


فجاء إلى يسوع ليلا و قال له: رابي ، نحن نعلم أنك أتيت من الله معلما لأنه ليس يقدر أحد أن يعمل هذه الآيات التي أنت تعمل ما لم يكن الله معه.


فجاء إلى يسوع ليلا و قال له: رابي ، نعلم أنك جئت من لدن الله معلما فما من أحد يستطيع أن يأتي بتلك الآيات التي تأتي بها إن لم يكن الله معه.

إنجيل يوحنا: 4 / 11.

غير معرف يقول...

الشبهة السابعة

تعبير بولس عن المسيح بـِ " الربّ "


الرد على هذه الشبهة :

كلمة " الرب " هي عبارة بولس المفضلة عندما يشير إلى المسيح عليه السلام، و هو يكررها في رسائله كثيرا، خاصة في افتتاحيات رسائله حين يقول مثلا: "عليكم النعمة و السلام من لدن أبينا و الرب يسوع المسيح، تبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح... " (2 قورنتس: 1/2 ـ3)، أو قوله: " و يشهد كل لسان أن يسوع المسيح هو الرب " (فيليبي: 2/1)... الخ.

و الحقيقة أن وصف المسيح بالربّ أو بربِّنا، لا يقتصر على بولس بل يقول به جميع أصحاب رسائل العهد الجديد الآخرين أيضا، أي القديسون يوحنا و بطرس، و يهوذا و يعقوب أخوا المسيح عليه السلام لأمه.

و كان هذا مما صدمني جدا لما طالعت العهد الجديد لأول مرة، إذ كنت أتصور أن مرادهم من كلمة الرب ما نعهده نحن المسلمون منها: أي رب العالمين و بارئ الخلائق أجمعين الخالق الرازق سبحانه و تعالى... فكنت أستغرب وأستهجن وصف المسيح الذي هو عبدٌ لله تعالى و محتاج لمدده، بصفة الرب، أي جعله خالقنا و رازقنا مع أنه هو نفسه مخلوق و مرزوق من الله!!

إلا أني لما تبحرت بمطالعة العهد الجديد و درست مدلولات بعض ألفاظه، خاصة لفظة الرب و مشتقاتها، دراسة مقارنة دقيقة، تأكدت من أن كتَّاب و مؤلفي العهد الجديد لم يكونوا يعنون بكلمة الرب عند إطلاقها على المسيح معنى الله الخالق الرازق أبدا، بل يعنون بها معنى المعلم و السيد المطاع أمره، فكلمة الرب كانت وصفا لمنزلة المسيح الرسالية النبوية التعليمية و مقامه ومنصبه الذي أقامه الله فيه، لا وصفا لطبيعته أو تحديدا لجوهر ذاته.

و قد سبق و أشرت، في الفصلين الماضيين، لعض الشواهد من الأناجيل التي تدل على ذلك، و فيما يلي إعادة سريعة لها :

(1) فقد جاء في إنجيل يوحنا أن اليهود كانوا يخاطبون النبي يحيى عليه السلام بعبارة :

"رابِّـي " (يوحنا: 3/26) ، و من الواضح أن أحدا لم يقصد ألوهية يحيى عليه السلام .

(2) كما جاء في نفس الإنجيل (يوحنا: 1/38) أيضا ما نصه:

" فقالا (للمسيح): ربِّـي!، الذي تفسيره يا معلم، أين تمكث؟ "

[ ملاحظة: جملة: (الذي تفسيره يا معلم) المعترضة، هي ليوحنا نفسه مؤلف الإنجيل و ليست لأحد من الشراح، فهي من متن الإنجيل نفسه وليست مضافة] .

غير معرف يقول...

(3) و جاء في إنجيل يوحنا كذلك (20 / 16) :

" قال لها: يا مريم! فالتفتت إليه و قالت له ربوني الذي تفسيره: يا معلم ".

(4) و جاء أيضا في إنجيل يوحنا (13/ 13 ـ 14)أن المسيح قال لتلامذته:

" أنتم تدعوني " المعـلِّـم و الـرب " و أصبتم فيما تقولون فهكذا أنا. فإذا كنت أنا الرب و المعلم قد غسلت أقدامكم فيجب عليكم أنتم أيضا أن يغسل بعضكم أقدام بعض ".

لكن النسخة التقليدية القديمة (البروتستانتية)للعهد الجديد ترجمت نفس تلك الآيات كالتالي:

" أنتم تدعوني معلماً و ســيـداً و حسنا تقولون لأني أنا كذلك، فإن كنت وأنا الســيـد و المعلم غسلت أرجلكم فأنتم يجب عليكم أن يغسل بعضكم أقدام بعض"

إذاً ما ترجم بالسـيِّـد في الترجمة التقليدية القديمة، ترجم بالـربّ في الترجمة الحديثة، أي اختيرت لفظة الرب بدلا من السيد لترجمة الأصل اليوناني، مما يؤكد أن المقصود بالأصل من كلمة الرب هو معنى السيد و أنهما مترادفان.

(5) و جاء في إنجيل لوقا (20 / 41 ـ 44) أن المسيح عليه السلام قال لليهود:

" كيف يقال للمسيح أنه ابن داود و داود نفسه يقول في كتاب المزامير: "قال الرب لـربـِّي: اجلس عن يميني حتى أجعل أعداءك موطئا لقدميك"؟ فداود نفسه يدعو المسيح ربا، فكيف يكون المسيح ابنه؟ ".

في هذا النص يستند المسيح عليه السلام لآية في مزامير داود (الزبور) يعتبرها بشارة عنه، فإذا رجعنا لمزامير داود في العهد القديم وجدنا أن البشارة هي الآية الأولى من المزمور رقم 110، و لفظها ـ كما في الترجمة الكاثوليكية الحديثة ـ:

" قال الرب لسـيّدي اجلس عن يميني حتىأجعل أعداءك موطئا لقدميك" العهد القديم / ص 1269.

فما عبر عنه المسيح بلفظة ربي هو في الحقيقة بمعنى سيدي و لا حرج فالمقصود واحد.

لذلك نجد أن الترجمات العربية المختلفة للعهد الجديد، خاصة القديمة منها كانت تستخدم لفظة السيد في مكان لفظة الرب، و لفظة المعلم في مكان لفظة رابِّـي. و فيما يلي أمثلة مقارنة تدل على ما نقول، أخذناها من ثلاث ترجمات مختلفة للعهد الجديد هي التالية (من الأقدم إلى الأحدث):

• الترجمة البروتستانتية القديمة التي قامت بها: جمعية التوراة البريطانية و الأجنبية، طبع كامبريدج، بريطانيا. و رمزتُ لها بالترجمة البريطانية البروتستانتية.

• الترجمة المسماة: كتاب الأناجيل المقدسة. طبع المطبعة المرقسية الكاثوليكية بمصر في عهد رئاسة الحبر الجليل الأنبا كيرلِـس الثاني بطريرك المدينة العظمى الإسكندرية و سائر الكرازة المرقسية، سنة 1902 مسيحية. و رمزتُ لها بالترجمة المصرية الكاثوليكية.

• ترجمة الكتاب المقدس الحديثة التي قامت بها الرهبانية اليسوعية في بيروت عام 1989 و نشرتها دار المشرق. و رمزتُ لها بالترجمة البيروتية اليسوعية.


موضع الشاهد


الترجمة البريطانية البروتستانتية


الترجمة المصرية الكاثوليكية


الترجمة البيروتية اليسوعية

إنجيل يوحنا: 1/ 49
أجاب نثنائيل و قال له: يا معلم ! أنت ابن الله أنت ملك إسرائيل. أجاب ناثانائيل و قال له: رابي ! أنت هو ابن الله أنت ملك إسرائيل. أجابه نتنائيل: رابي ! أنت ابن الله، أنت ملك إسرائيل.

إنجيل يوحنا: 3/ 1 ـ 2




هذا جاء إلى يسوع ليلا و قال له: يا معلم نعلم أنك قد أتيت من الله معلما لأنه ليس أحد يقدر أن يعمل هذه الآيات التي أنت تعمل إن لم يكن الله معه.


فجاء إلى يسوع ليلا و قال له: رابي ، نحن نعلم أنك أتيت من الله معلما لأنه ليس يقدر أحد أن يعمل هذه الآيات التي أنت تعمل ما لم يكن الله معه.


فجاء إلى يسوع ليلا و قال له: رابي ، نعلم أنك جئت من لدن الله معلما فما من أحد يستطيع أن يأتي بتلك الآيات التي تأتي بها إن لم يكن الله معه.

إنجيل يوحنا: 4 / 11.

غير معرف يقول...

قالت له: يا ســيـد ! لا دلو لك و البئر عميقة فمن أين لك الماء الحي؟


قالت له الامرأة: يا ســيـدي ! إنه لا مستقى لك و البئر عميق فمن أين لك الماء الحي؟


قالت له المرأة: يا رب ! لا دلو عندك و البئر عميقة، فمن أين لك الماء الحي؟

إنجيل يوحنا: 4 / 15.




قالت له المرأة: يا سيد أعطني هذا الماء لكي لا أعطش...


قالت له الامرأة: يا سيد أعطني هذا الماء لكي لا أعطش...


قالت له المرأة: يا ربّ ، أعطني هذا الماء لكي لا أعطش..

إنجيل يوحنا:4 / 49.




فقال له خادم الملك: يا ســيـد! انزل قبل أن يموت ابني. فقال له يسوع: اذهب ابنك حي !


فقال له الرئيس: يا رب ! انزل قبل أن يموت فتاي. فقال له يسوع: امض فابنك حي!


فقال له عامل الملك: يا رب ! انزل قبل أن يموت ولدي. فقال له يسوع: اذهب إن ابنك حي!

إنجيل يوحنا: 5/7




أجابه المريض: " يا سيد ، ليس لي إنسان يلقيني في البِرْكة متى تحرك الماء


أجاب المريض وقال: " يا سيد ليس لي إنسان لكي إذا تحرك الماء يلقيني في البِرْكة


أجابه العليل: " يا رب ، ليس ليمن يغطني في البِرْكة عندما يفور الماء ..

إنجيل يوحنا: 6 / 34.


فقالوا له: " يا ســيـد ! أعطنا في كل حين هذا الخبز.


فقالوا له: " يا ســيـد ! أعطنا هذا الخبز في كل حين.


فقالوا له: " يا رب ! أعطنا هذا الخبز دائما أبداً.
إنجيل يوحنا: 13 / 36.

قال له سمعان بطرس: يا سيد إلى أين تذهب؟ قال يسوع: حيث أذهب لا تقدر أن تتبعني...


قال له سمعان بطرس: إلى أين تذهب يا رب؟ أجابه يسوع: حيث أذهب أنا لا تقدر أن تتبعني...


فقال له سمعان بطرس: يا رب إلى أين تذهب؟ أجاب يسوع: إلى حيث أنا ذاهب لا تستطيعُ الآن أن تتبعني...

إنجيل يوحنا: 14 / 5.




قال له توما: يا ســيـد ! لسنا نعلم أين تذهب فكيف نعرف الطريق؟


قال له توما: يا رب ! لسنا نعرف أين تذهب فكيف نقدر أن نعرف الطريق؟


قال له توما: يا رب ! إننا لا نعرف إلى أين تذهب فكيف نعرف الطريق؟

إنجيل يوحنا: 14 / 8.
فقال له فيليبـس: يا ســيـد ! أرنا الآب و كفانا! قال له فيليبس: يا رب ! أرنا الآب و حسـبنا!

قال له فيليبس: يا رب ! أرنا الآب و حسـبنا!


وأكتفي بهذه الأمثلة، و الحقيقة أن هذا نجده في كل مواضع استخدام لفظة الرب في الترجمات المختلفة و القديمة بشكل خاص، و أعتقد أن ما ذكر يكفي لليقين بأن مراد كاتبي الأناجيل و رسائل العهد الجديد، و منهم بولس، من لفظة الرب، ليس إلا معنى السيد أو المعلم المُطاع أمره.

ومن ناحية أخرى إذا رجعنا إلى القاموس العبري ـ العربي [16] نرى أن لفظة الرب العبرية تعني: [[ حاخام، معلم، وزير، ضابط، سيد ]].

فإذا عرفنا أن اللغة العبرية كانت هي لغة الكتاب المقدس الأصلية ( للعهد القديم ) الذي كان مرجع مؤلفي العهد الجديد، و عرفنا أن السيد المسيح عليه السلام كان بالنسبة إليهم: المعلم الأكبر و الحاخام الأعظم، و السيد الذي تعلو سيادته و سلطانه الروحي كل سيادة في الأرض، عرفنا لماذا كانوا يطلقون عليه لفظ " الرب " و ماذا كانوا يعنون بها.

غير معرف يقول...

و من الجدير ذكره هنا، و هو ما قد يفاجئ القارئ، أنه حتى في اللغة العربية، قد تطلق لفظة الرب، المطلقة من غير أي إضافة، على المـلِك و السيد، كما ذكر صاحب لسان العرب حيث قال أن أهل الجاهلية يسمون الملك: الرب، و أنه كثيرا ما وردت كلمة الرب مطلقةً، في أشعارهم، على معنى غير الله تعالى [17] .

كما جاء في لسان العرب: " الرب: يطلق في اللغة على المالك، و السيد، و المدبر، و المربي، و القيِّم، و المنعم... و (عن) ابن الأنباري: السيد المطاع، قال تعالى: فيسقي ربه خمرا، أي سيده، و يكون الرب المصلح، ربَّ الشيءَ إذا أصلحه " [18] .

و قد وردت في القرآن الكريم بهذا المعنى عدة مرات، من ذلك الآيات التالية :

1. { قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون } يوسف / 23.

2. { يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا... } يوسف / 41.

3. { و قال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين } يوسف / 42.

4. { فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن } يوسف / 50.

5. و كذلك وردت بهذا المعنى في سورة التوبة في الآية:{ اتخذوا أحبارهم و رهبانهم أربابا من دون الله و المسيح بن مريم و ما أمروا إلا ليعبدوا إلـها واحدا لا إلـه إلا هو سبحانه و تعالى عما يشركون } التوبة / 31.

فمن الواضح أنهم لم يتخذوا أحبارهم آلهة خالقين رازقين ! إنما اتخذوهم سادة و أرباب استسلموا لسلطتهم و أطاعوهم طاعة عمياء في كل شيء حتى في تحريم الحلال و تحليل الحرام، و تشريع العقائد الجديدة غير المنزلة،كما ورد تفسيرها في الحديث الشريف عن عدي بن حاتم ـ و كان نصرانيا فأسلم ـ قال للنبي صلى الله عليه وسلم ، لما سمعه يتلو هذه الآية: " إن النصارى لم يعبدوا أحبارهم و رهبانهم! " فأجابه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ): " بلى إنهم حرموا عليهم الحلال و أحلوا لهم الحرام فاتبعوهم فتلك عبادتهم إياهم " [19] .

6. و في هذا المعنى أيضا قوله تعالى: { قل يا أهل الكتاب تعلوا إلى كلمة سواء بيننا و بينكم ألا نعبد إلا الله و لا نشرك به شيئا و لا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون } آل عمران /64.

و لا شك أنه ليس المقصود أن لا نتخذ بعضنا بعضا آلهة خالقين رازقين، بل المقصود أن لا نتخذ بعضنا بعضا سادة طغاة متسلطين نركع و نسجد لهم و نطيعهم طاعة عمياء حتى في تحليل حرام الله أو تحريم حلاله أو تقرير عقائد إيمانية غيبية ما أنزل الله بها من سلطان، كما فعل فريق من النصارى في حق الباباوات.

كل هذه الأمثلة أوردتها للتأكيد على أن لفظة " الرب " لا ينحصر معناها في الله تعالى الخالق الرازق، بل كثيرا ما تأتي بمعنى المالك الآمر و السيد المطاع. و هذا المعنى الأخير هو المراد في لغة العهد الجديد و لغة التلاميذ عندما يطلق على المسيح و هو الذي كان يعنيه بولس من لفظة الرب عندما يطلقها على السيد و المعلم الأكبر المسيح عليه السلام، فليس في هذه اللفظة أي دليل على ألوهيته.

و بهذا نكون قد فندنا جميع الشبهات، من أقوال بولس، التي يستندون إليها كنصوص دالة ـ بزعمهم ـ على إلـهية المسيح.

و بقيت عبارات يستندون إليها من مقدمة الرسالة المعروفة باسم الرسالة إلى العبرانيين، و هي أيضا لا تدل على الألوهية، و قد أعرضت عن مناقشتها لأن الرسالة من الأساس لا يُعْرَف على وجه التحديد من هو كاتبها، فإذا كان الأمر كذلك فلا داعي لمناقشة أقوال لا نعرف قائلها و لا تقوم حجية بها، إذ الحجية تقوم بكلام الله و كلام رسوله لا بكلامٍ لا يُعْرَف من قائله؟! و مجرد تلقي الكنيسة للرسالة بالقبول و عدها لها من الرسائل القانونية لا يغني شيئا عند ذوي التجرد و الإنصاف، ففي الدين، بل في أخطر مسائله، لا بد من القطع و اليقين و لا يكتفى بالظن و التخمين و الله و لي المؤمنين.

غير معرف يقول...

ب ـ نفي إلـهية المسيح في رسائل يوحنا :

ليوحنا، مؤلف الإنجيل الرابع، ثلاث رسائل صغيرة في كتاب العهد الجديد كما له في آخر العهد الجديد رؤيا كشفية رمزية اعتبرت سفرا إلهاميا كذلك فضمت للأسفار القانونية للعهد الجديد.

إن الإنجيل الرابع الذي ألفه يوحنا يختلف عن الأناجيل الثلاثة المتشابهة التي قبله اختلافا بينا، و هو أكثر حرصا على إضفاء هالة ألوهية على السيد المسيح عليه السلام، و إن كان صاحبه لا يدعي و لا يقول أبدا بشكل محدد أن المسيح هو الله، و لذلك فإن أغلب النصوص المتشابهة التي يستند إليها و يتمسك بها المؤلهون للمسيح مأخوذة من إنجيل يوحنا هذا [20] .

فمن هو يوحنا مؤلف الإنجيل الرابع و رسائل و رؤيا يوحنا ؟؟

سؤال اختلفت الأوساط المسيحية في الإجابة عنه منذ القديم. فالكنيسة التقليدية اعتبرت ـ منذ القرن الثاني للميلاد ـ أن يوحنا هذا، هو نفس " يوحنا بن زبدي " تلميذ المسيح المقرب و أحد الحواريين الاثني عشر. لكن دوائر مسيحية قديمة أيضا ـ و على رأسها الكاهن كايوس ـ شككت في هذا الأمر [21] .

و قد استمر هذا التشكك في بعض الأوساط المسيحية الضئيلة في كل قرن من قرون تاريخ المسيحية و حتى عصر التنوير. و في القرنين الأخيرين طرحت مسألة التحقيق في هوية يوحنا هذا على بساط البحث، و كانت النتيجة التي توصلت إليها غالبية المفكرين و النقاد المسيحيين هي القطع بأن مؤلف الإنجيل الرابع ـ و الذي هو نفسه مؤلف الرسائل الثلاث باسم رسائل يوحنا و الرؤيا الكشفية الأخروية التي في آخر العهد الجديد أيضا ـ ليس الحواري " يوحنا بن زبدي " بل يوحنا آخر متأخر لم يتتلمذ مباشرة على المسيح عليه السلام بل هو مسيحي من تلاميذ المدرسة الإسكندرية الفلسفية.

و لو أردنا أن نذكر هنا آراء أولـئك النقاد و الأدلة التي جعلتهم يذهبون إلى هذا الرأي لشط بنا القلم و خرجنا عن موضوع الكتاب، لذا نكتفي بهذه الإشارة المختصرة و نحيل الراغب بالتفصيل إلى المراجع التالية:

1 ـ كتاب The Four Gospels تأليف:B.H.Streeter، طبع: New York , 1961 , P. 430 - 456..

2 ـ كتاب: The Gospels , Their Origin & Their Growth تأليف: F. C. Grant، طبع: Faber & Faber , London , 1957، بحث إنجيل يوحنا فيه.

3 ـ مادة John في دائرة المعارف البريطانية، و تقع في الجزء 13 منها.

4 ـ كتاب " ما هي النصرانية؟ " للعلامة الشيخ: محمد تقي العثماني (الباكستاني): الصفحات: 141 ـ 157.(طبع رابطة العالم الإسلامي).

5 ـ كتاب: " إظهار الحق " للعلامة الشيخ رحمة الله بن خليل الرحمن الهندي: ج 1 / ص 154 ـ 167. (طبع الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية... بتحقيق د. محمد ملكاوي. الرياض).

يبتدأ مؤلف الإنجيل الرابع، إنجيله، بافتتاحية يختص بها دون سائر الأناجيل الثلاثة، و هي افتتاحية يتبادر من ظاهرها النص على إلـهية الكلمة أي المسيح، لذا كانت هذه الافتتاحية أحد أهم مستمسكات المؤلهين للمسيح من كتاب العهد الجديد، إن لم تكن، أهم مستمسكاتهم على الإطلاق.

و إنما لم أتعرض لها في الفصل الماضي خلال تفنيدي لشبهات المؤلهين لعيسى من الأناجيل، لأن هذه الافتتاحية ليست في الواقع من كلام المسيح أو تعاليم إنجيله، بل هي من كلام يوحنا، لذلك أرجأت الكلام عنها لحين كلامي عن نفي إلـهية المسيح في كلام يوحنا في هذا الفصل.

لكن قبل البدء في مناقشة و تفنيد العبارات التي يستند إليها المؤلهون للمسيح من كلام القديس يوحنا، أبدأ بذكر العبارات الصريحة الواضحة ليوحنا نفسه، التي تؤكد عبودية المسيح لله تعالى و أن الله تعالى إلـه المسيح و خالقه، متبعا نفس الأسلوب الذي اتبعته مع مناقشة عبارات الأناجيل و عبارات بولس.

غير معرف يقول...

القسم الأول: أقوال يوحنا الصريحة التي تنفي إلـهية المسيح و تؤكد أنه عبدٌ مخلوقٌ ِللهِ عز و جل:

(1) أما نصه على أن الله تعالى إلـه المسيح و بالتالي فالمسيح عبد مربوب لله، فقد جاء في رؤيا يوحنا الكشفية (1 / 6) حين قال:

"... و من لدن يسوع المسيح الشاهد الأمين و البكر من بين الأموات و سيد ملوك الأرض، ذاك الذي أحبنا فحلنا من خطايانا بدمه، و جعل منا مملكة من الكهنة لإلــهـه و أبــيـه... "

(2) و أما نصه على أن المسيح مخلوق لله سبحانه وتعالى ، فجاء وضحا في رسالته الأولى (2/ 1) في قوله:

" أكتب إليك ما يقول الأمين (المسيح)، الشاهد الأمين الصادق، بدء خليقة الله... "

(3) و أما أن المسيح يستمد من الله و بالتالي لا يمكن أن يكون إلـهاً لأن الله غني بذاته، فقد جاء ذلك مثلاً في رؤياه الكشفية أيضا (1 /1) حين يقول:

" هذا ما كشفه يسوع المسيح بعطاء من الله "

(4) و أما عن الغيرية الكاملة و التمايز و الاثنينية بين الله: الآب و المسيح عليه السلام فالأمثلة عليه كثيرة من كلام يوحنا نكتفي بهذا الشاهد من رسالته الأولى(2/1):

" و إن خطئ أحد فهناك شفيع لنا عند الآب و هو يسوع المسيح البار "

(5) ثم إن نفس النصوص الإنجيلية، التي استقيناها في الفصل الأول من إنجيل يوحنا، النافية لإلـهية عيسى و المثبتة لعبوديته، تصلح كذلك للكشف عن عقيدة يوحنا مؤلف ذلك الإنجيل حول عدم إلـهية المسيح إذ من البديهي أن الرجل دوَّن في إنجيله ما يعتقده أو أنه كان يعتقد بما دونه، و نكتفي هنا بإشارة سريعة لثلاث نصوص قاطعة من إنجيل يوحنا:

" قال لها يسوع: لا تلمسيني لأني لم أصعد بعد إلى أبي. و لكن اذهبي إلى أخوتي و قولي لهم: إني أصعد إلى أبي و أبيكم و إلـهي و إلـهكم " إنجيل يوحنا:20 / 17.

" تكلم يسوع بهذا و رفع عينيه نحو السماء و قال: أيها الآب، قد أتت الساعة... و هذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإلـه الحقيقي وحدك، و يسوع المسيح الذي أرسلته... " إنجيل يوحنا: 17 / 1 ـ 3.

" فقال لهم يسوع: لو كنتم أبناء إبراهيم لعملتم أعمال إبراهيم، و لكنكم الآن تطلبون أن تقـتلوني و أنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله " إنجيل يوحنا:8/40.

و أعتقد أن ما ذكر أعلاه يكفي ـ لمن تجرد للحق و أنصف و جانب التقليد و التعصب ـ للتأكد من عقيدة يوحنا التوحيدية و أنه لم يعلِّم التثليث و لا أن الله هو المسيح، بل أفرد الله تعالى وحده بالإلـهية، فينبغي أن يبقى هذا بالبال عند مناقشتنا التالية للشبهات التي استندوا إليها من كلام يوحنا.

غير معرف يقول...

القسم الثاني: شبهات المؤلهين للمسيح من عبارات يـوحنا و الرد عليها


الشبهة الأولى

افتتاحية يوحنا لإنجيله التي يقول فيها: " في البدء كان الكلمة، و الكلمة كان عند الله، و كان الكلمة ا لله، هذا كان في البدء عند الله، كل شيء به كان و بغيره لم يكن شيء مما كان... و الكلمة صار جسدا و حل بيننا و رأينا مجده كما لوحيد من الآب مملوءا نعمة و حقَّـاً " إنجيل يوحنا: 1 / 1 ـ 3، 14.


الرد على هذه الشبهة:

أولا: أعود و أذكر أن هذا النص ليس من كلام المسيح عليه السلام و لا من كلام أي حواري أو تلميذ مباشر من تلاميذه بل كلام مسيحي تابعي ـ إن صح التعبير ـ و فيلسوف عاش في أواخر القرن الأول و أوائل القرن الثاني فلا يحمل في طياته أية حجة إلـهية ملزمة. أما دعوى أنه كتب إنجيله بإلهام و وحي من الله فلا دليل علها إلا مجرد الظن.

و ثانيا: ما دام قائل هذا الكلام هو يوحنا، و ما دام قد ثبت معنا بالدلائل السابقة أن يوحنا هذا يؤمن بأن الله الآب هو الإلـه الحقيقي وحده و إلـه المسيح و خالقه و مرسله، فلكي يكون كلام يوحنا منسجما مع بعضه، لا بد أن يُفهَم هذا النص أو يُفسَّر على نحو يتسق و ينسجم مع عقيدته التوحيدية تلك، و هناك تفسيران محتملان لهذا النص:

التفسير المعقول الأول: هذه الافتتاحية قرأها كثير من القدماء على نحو فيه اختلاف بسيط في اللفظ، لكن مهم جدا، و قد أورد الغزالي في كتابه " الرد الجميل لإلـهية عيسى بصريح الإنجيل " اللفظ القديم الذي يمثل الترجمة الحرفية للمتن اليوناني الأصلي على النحو التالي:

" في البدء كان الكلمة، و الكلمة كان عند الله، و إلـه هو الكلمة، كان هذا قديما عند الله، كلٌّ به كان و بغيره لم يكن شيء مما كان... "

فالفرق بين الترجمتين هو في الجملة الثالثة، ففي حين تقول الترجمات الحديثة: " و كان الكلمةَ اللهُ "، تقول الترجمة الحرفية القديمة: " و إلـهٌ هو الكلمة " بتنكير إلـه.

و تذكر الكتب التي تتحدث عن تاريخ العقيدة النصرانية أن آريوس و منكري ألوهية المسيح كانوا يؤكدون على أن الترجمة الحرفية الصحيحة للأصل اليوناني هي " و إلـهٌ هو الكلمة " [22] .

و المسألة هي أن كلمة " إلـه " في اصطلاح الإنجيل ـ و اصطلاح الكتاب المقدس بشكل عام ـ لا تعني بالضرورة الله، بل تأتي أحيانا على معنى السيد و الرئيس المطاع، مثل كلمة الرب، أو على معنى الملاك العظيم. و سبق و أشرنا لذلك في الفصل الثاني و نذكر هنا مثالين على ما نقول:

(1) جاء في سفر الخروج من التوراة قول الله تعالى لموسى عليه السلام :

" قد جعلناك إلـها لفرعون و أخاك هارون رسولك " الخروج: 7 / 1.

(2) و في المزمور الثاني و الثمانين من سفر المزامير قول الله تعالى لداود عليه السلام :

" الله قائم في مجمع الله، في وسط الآلهة يقضي.. (إلى قوله): أنا قلت إنكم آلهة و بنو العلي كلكم لكن مثل الناس تموتون و كأحد الرؤساء تسقطون " المزامير: 82 / 1، 6 ـ 7.

حيث يتفق مفسروا العهد القديم أن المقصود بالآلـهة و ببني العلي هنا: الرؤساء و القضاة و الملائكة الذين هم أعضاء البلاط الإلـهي ـ إذا صح التعبير ـ، و أن لقب آلهة و أبناء الله، لهم، ليس إلا لقبا تشريفيا لا أكثر، و لا يعني أبدا أنهم شركاء الله تعالى في ذاته و إلـهيته، كيف و من تعاليم التوراة الأساسية وحدانية الله تعالى!

بناء عليه، فعبارة " و إلـه هو الكلمة " معناها: و كائنٌ روحيٌّ عظيم بل رئيسٌ للكائنات وعظيمٌ مقرب من الله هو الكلمة.

غير معرف يقول...

هذا و مما يرجح هذه القراءة و يوجب المصير إلى هذا التفسير، أن الترجمات الحديثة التي تذكر " و كان الكلمة الله " تجعل افتتاحية يوحنا نصا مختل المبنى غير مستقيم المعنى، بل لا معنى له و لا يصح لأن معناها يصبح هكذا:

[ في البدء كان الله، و كان الله عند الله! و كان الله هو الله، الله كان في البدء عند الله!! ]

و من البديهي أن الشيء لا يكون عند نفسه، فلا يصح أن نقول كان زيد عند زيد !!

أما على التفسير الذي ذكرناه، فإذا صار الإله المُنَـكَّر بمعنى الكائن الروحي العظيم الذي هو غير الله، صح أن نعتبره كان عند الله.

التفسير الممكن الثاني: يرى البعض أن الكلمة هي الأمر الإلـهي " كن فيكون " الذي به يخلق الله ما يشاء من الكائنات، كما جاء في سفر المزامير: " بكلمة الرب صنعت السماوات... إنه قال فكان، و أمر فوجد " المزمور: 33/6، 9.

و تصديق ذلك أننا نجد، في سفر التكوين من التوراة، أن الخلق تم بأوامر و كلمات إلـهية: " و قال الله: ليكن نور، فكان نور..... و قال الله: ليكن في وسط المياه.... فكان كذلك.... الخ " التكوين: 1 / 3، 6.

و قالوا: إن الترجمة القديمة الصحيحة لعبارة " و الكلمة صار جسدا " هي: " و الكلمة صنع جسدا " [23] أي أنه بالأمر الإلهي تم خلق إنسان بشر. فالكلمة هي الله و لكن الإنسان الذي خلق بها ليس الكلمة، و بالتالي فالمسيح مخلوق بالكلمة و ليس الكلمة ذاتها.

و منهم من يرى أن هناك محذوف تقديره:"و أثر الكلمة صار جسدا" [24] .

و على كل حال فهذه تفسيرات ممكنة و معقولة لهذه الافتتاحية، و لا ندعي أنها صحيحة قطعا، لكن نرى أن المصير لفهم توحيدي للنص واجب، بعد أن عرفنا من عبارات يوحنا السابقة، نفيه كون المسيح الله، و ذلك عندما اعتبره مخلوقا خاضعا لله مستمدا منه و بين أن اللهَ تعالى إلـهُ المسيح و أن الله هو الإلـه الحقيقي وحده.

غير معرف يقول...

الشبهة الثانية

قول يوحنا في رسالته الأولى (5/20): " نحن في الحق إذ نحن في ابنه يسوع المسيح. هذا هو الإلـه الحق و الحياة الأبدية. يا بني احذروا الأصنام. "


الرد على هذه الشبهة:

أولاً دعنا نأتي بنص العبارة من أولها، حيث يلخص يوحنا رسالته الأولى بهذه الخاتمة فيقول:

" نحن نعلم أننا من الله و أما العالم فهو كله تحت وطأة الشرير. و نعلم أن ابن الله أتى و أنه أعطانا بصيرة لنعرف بها الحق. نحن في الحق إذ نحن في ابنه يسوع المسيح. هذا هو الإلـه الحق و الحياة الأبدية. يا بني احذروا الأصنام".

فنقول: إن الذين يستشهدون بهذه الفقرة كنص على إلـهية المسيح، يفترضون أن الإشارة بِـ: هذا هو الإله الحق....، تعود لآخر مذكور و هو المسيح، لكن الحقيقة أن هذا مجرد تخمين و احتمال ضعيف، أما الاحتمال الأقوى بل المتعيِّن فهو رجوع الإشارة إلى هاء الضمير في كلمة ابنـه، أي إلى الله تعالى، لأن الكلام من البداية كان عن الله تعالى، و يدل عليه أيضا جملته الأخيرة: يا بَنِـيَّ احذروا الأصنام، أي أنه يقول في آخر رسالته: ليس لنا إلا إله واحد هو الله و أما بقية الآلهة فهي باطلة فاحذروها. و أقصى ما يقال هو أن ما ذكرناه إن لم يكن هو المتعين فهو بالتأكيد محتمل و مجرد احتماله يسقط استدلالهم بالآية لأنه: إذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال.

و ليس ما ذكرناه من عدم تعين رجوع الإشارة للمسيح، شيء انفردنا به لوحدنا، بل هذا ما أشارت إليه شروح الإنجيل، فقد جاء في كتاب " تفسير الكتاب المقدس " عند شرح هذه العبارة ما نصه:

".... ثم يمضي يوحنا فيقول: هذا هو الإلـه الحق و الحياة الأبدية. و مرّة أخرى لا يكون من السهولة تبين ما إذا كان المعنِيّ هو الآب أم الابن؟ غير أنهما من التقارب بحيث يغدو الفارق ضئيلا جداً. بالنسبة إلى أقوام العالم القديم كان هناك آلهة كثيرون. بيد أن يوحنا يرى أنهم كانوا كلهم آلهة باطلة، فلا إلـه إلا إلـه واحد حق و للناس حياة أبدية فيه. " [25] .



الشبهة الثالثة

ما جاء في رؤيا القديس يوحنا الكشفية منسوبا للمسيح قوله: " أنا الألف و الياء، و الأول و الآخر، و البداية و النهاية " الرؤيا: 22 / 13.


الرد على هذه الشبهة:

الحقيقة أن هذه الشبهة واهية للغاية و بطلانها أوضح من الشمس، و ذلك لسببين: أولا أن هذه العبارات: " أنا الألف و الياء... الخ "، التي تكررت في الرؤيا عدة مرات إنما ينقلها الملاك، الذي ظهر ليوحنا في رؤياه، عن قول الله سبحانه وتعالى عن نفسه، لا عن قول المسيح عن نفسه!. نظرة بسيطة لأول مرة جاءت فيها هذه العبارة في أول إصحاح من سفر رؤيا يوحنا هذا توضح ذلك:

"

غير معرف يقول...

من يوحنا إلى الكنائس السبع في آسية. عليكم النعمة و السلام من لدن الذي هو كائن و كان و سيأتي، و من الأرواح السبعة الماثلة أمام عرشه، و من لدن يسوع الشاهد الأمين و البكر من بين الأموات و سيد ملوك الأرض. لذاك الذي أحبنا فحلنا من خطايانا بدمه، و جعل منا مملكة من الكهنة لإلـهه و أبيه، له المجد و العزة أبد الدهور آمين. ها هو ذا آتٍ في الغمام. ستراه كل عين حتى الذين طعنوه، و تنتحب عليه جميع قبائل الأرض. أجل، آمين. " أنا الألف و الياء " هذا ما يقوله الرب الإلـه، الذي هو كائن و كان و سيأتي، و هو القدير. " رؤيا يوحنا: 1 / 4 ـ 8.

فنلاحظ بوضوح أن قائل أنا الألف و الياء هو: الرب الإلـه الذي هو كائن و كان و سيأتي، و هو غير المسيح، بدليل أنه عطفه عليه في البداية عندما قال: عليكم النعمة و السلام من الذي هو كائن و كان و.. و من الأرواح السبعة... و من لدن يسوع الشاهد...، و العطف يقتضي المغايرة.

و كذلك عندما تتكرر هذه العبارة ينبغي أن تفهم مثل هنا على أن المقصود منها هو الله تعالى.

هذا من جهة و من الجهة الثانية، فإن هذه العبارة حتى لو قلنا أنها للمسيح، فلا تتضمن نصا في تأليهه، لأنه يمكن تفسير عبارته: "أنا الأول و الآخر و البداية و النهاية" بمعنى: أنا أول خلق الله (أو بكر كل خليقة على حد تعبير يوحنا) فبهذا يكون الأول و البداية، و الحاكم يوم الدينونة بأمر الله، فبهذا يكون الآخر و النهاية لعالم الخليقة، و ما دام هذا الاحتمال وارد، فالاستدلال بالعبارة ساقط، كيف و مثل هذه العقيدة الخطيرة تقتضي الأدلة القطعية الصريحة التي لا تحتمل أي معنى آخر.

بهذا أكون قد انتهيت من مناقشة و تفنيد جميع الشبهات الواهية لمن يصرون على تأليه المسيح عليه السلام عبد الله و رسوله، سواء كانت من الأناجيل أو من رسائل التلاميذ القانونية الملحقة بها، و قل جاء الحق و زهق الباطل إن الباطل كان زهوقا، و أختتم كتابي هذا بقوله تعالى:

" يا أهل الكتاب لا تغلو في دينكم و لا تقولوا على الله إلا الحق، إنما المسيح عيسى بن مريم رسول الله و كلمته ألقاها إلى مريم و روح منه، فآمنوا بالله و رسله و لا تقولوا ثلاثة، انتهوا خيرا لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السموات و ما في الأرض و كفى بالله وكيلا " النساء /171.